وعندما أعطاه الله ذلك، ونظر في هذا الملك العظيم؛ حتى إنه ليسمع كلام النملة ودعاءها قال:{رَبِّ أَوْزِعْنِي}[النمل:١٩]، أي: حفزني وادفعني واجعل في ما يهيجني لحسن الدعاء، وحسن الطلب.
{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ}[النمل:١٩] وهذه ليست دعوة سليمان وحده، وإنما هي دعوة الصالحين من المؤمنين، فإنهم يدعون:{رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[الأحقاف:١٥].
فذكر الله عز وجل دعوة سليمان في النمل، وذكر دعوة المؤمن الصالح في الأحقاف، والمؤمن يتعلم من هؤلاء الأنبياء كيف يشكر النعم.
والله عز وجل ما شيء أحب إليه من الحمد، فيحب من عباده أن يحمدوه، فإذا أعطي أحد نعمة فليحمده ويشكره، فإن حمده وشكره أحب إليه من هذه النعمة التي أعطاها لهذا العبد.
فذكر الله الأنبياء ما أعطاهم وما ابتلاهم حتى نأتسي ونقتدي بهم، فإذا أنعم الله عز وجل على أحدهم بالخير وجده حامداً شاكراً، وإذا ابتلاه بالشر وجده شاكراً صابراً لله تبارك وتعالى.
قال تعالى:{وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}[الأنبياء:٨١]، والأرض التي باركنا فيها أرض الشام، تجري إليها الريح بأمر سليمان عليه الصلاة والسلام، وإلى حيث شاء الله عز وجل من هذه الأرض أو إليها.
{وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ}[الأنبياء:٨١]، أي: عالمين بتدبير هذا الكون كله، وكيف دبرنا لسليمان أمره، وكيف سخرنا له هذه الريح؟ فنحن نعلم أمر الريح وأمر سليمان، وأمر كل شيء.
((وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ)) وليس بسليمان وحده، ولا بالريح وحدها، ولكن كنا بكل شيء عالمين.