[تفسير قوله تعالى:(إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة النور:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْراً وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ * وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ * وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ * {يَعِظُكُمْ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ * وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}[النور:١١ - ١٩] ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات حديثاً تكلم به المنافقون عن عائشة رضي الله عنها في أمر الإفك، فكذبوا وافتروا عليها، قال الله عز وجل:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ}[النور:١١]، وعائشة رضي الله عنها ما كانت تظن أن الله سبحانه وتعالى سينزل في شأنها قرآناً، فتقول: كان شأني في نفسي أحقر من أن ينزل في قرآن، ولكن كانت أتمنى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا في منامه تبرئني، فأنزل الله عز وجل عشر آيات في هذا الشأن كما سمعنا.
فقال:{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}[النور:١١] الإفك هو الكذب، وعصبة منكم: أي: مجموعة منكم، وليسوا كل المؤمنين، قال تعالى:{لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ}[النور:١١]، بل هي مصيبة من المصائب، وما من مصيبة إلا وفيها خير للمسلمين وإن كان ظاهرها الشر.
قال تعالى:{بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ}[النور:١١] فالإنسان الذي يكسب خطيئة وإثماً فإنما يكسب ذلك على نفسه، وإن كان قد يضر غيره في الدنيا بهذا الذي قال، ولكن في الحقيقة أن ضرره ذلك يقع عليه في الدنيا وفي الآخرة كما حدث بهؤلاء الذين تكلموا بهذا الأمر، وأما الذي أشاع هذا الأمر واستهواه ونشره في الناس، وتكلم به سراً بينه وبين المنافقين حتى شاع بعد ذلك، فهو الذي تولى كبره كما قال سبحانه:{وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[النور:١١].