للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الحث على الإيمان والتقوى والنفقة]

قال تعالى: {إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا} [محمد:٣٦] أي: تؤمنوا بالله عز وجل وبما جاء من عند الله، فتؤمن تصدق وتعمل، وتتقي ما يغضب الله عز وجل، فالإيمان يدفع العبد للعمل، والتقوى تدفع العبد إلى ترك ما يغضب الله سبحانه تبارك وتعالى، فإذا فعلت ذلك يؤتك الله عز وجل الأجر.

قال تعالى: {يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} [محمد:٣٦] يعني: لم يسألكم الله عز وجل جميع أموالكم، فالله سبحانه تبارك وتعالى كريم، فحين يفرض الله عز وجل عليك زكاة مالك شيئاً يسيراً، فستتمتع بسبعة وتسعين ونصف في المائة من مالك، وادفع لله عز وجل اثنين ونصف في المائة من مالك، فهذه هي الزكاة التي يفرضها الله عز وجل، فهي نسبة يسيرة جداً من مالك.

وإذا كان لديك زروع وثمار تسقيها بتعبك، فتشتري الماء وتسقي الزرع، فستخرج نصف العشر مما تخرجه الأرض، وإذا كان الماء من السماء من غير تعب منك فتخرج العشر منها، وتستمتع بالتسعة الأعشار، والعشر لله سبحانه تبارك وتعالى، فهذا العشر هو الذي يطهر لك باقي المال.

وإذا حفر الإنسان في الأرض فخرج وعاء ذهب أو فضة من غير تعب منه فهذا يعتبر ركازاً من دفن الجاهلية، فيجب عليك فيه الخمس، مقدار عشرين في المائة؛ لأنك لم تتعب أصلاً، فإذا زاد التعب قلت الزكاة وخفت، فالله عز وجل ليس بطامع في المال الذي عندك كما تفعل الحكومات مع الناس، حيث وضعوا ضرائب على الناس، فيأتي عامل الضرائب يقول للناس: سنخفف عليك والآخر يضع عليه ضرائب أكثر، ويرفض منه، ويجعل له المقيدات، فالدين لا يفعل ذلك أبداً بالإنسان، قال تعالى: {وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة:١٩٥]، الإنسان عندما يؤمر بالنفقة يبخل، فالدين يجعل الإنسان يدفع، ولو كل مؤمن على الأرض دفع زكاة ماله لما بقي فقير أبداً، وزكاة المال كثيرة جداً، فهي اثنين ونصف في المائة، وكل إنسان يرغب فيما عند الله، ويرهب من عذاب الله عز وجل فيدفع المال، ولو أن الحكومات ترشد إنفاق هذا المال على الوجوه التي ترضي الله عز وجل لكانت البركة في الأرض، فالإنسان يدفع الزكاة وهو راض، وقد يدفع أكثر مما يطلب من أجل الله، ويصرف أكثر من النسبة المطلوبة؛ لأنه ينوي الأجر من الله، لا ينفق لأنه مجبر على ذلك، وليس كالضرائب ولسان حال أحدهم: أنا يأخذ مني أكثر، والثاني يأخذ منه أقل، وفلان المليونير لا يدفع شيئاً وفلان له محسوبية! الدين ليس فيه هذا الشيء، الناس كلهم سواسية، فعندما يطبق شرع الله عز وجل تجد الإنسان مسروراً في دفع الشيء؛ لأنه يصدق فيما يقول.

وكان عثمان رضي الله عنه يقول للناس: هذا شهر زكاة مالكم، فلينظر الإنسان ما عليه من الدين، ثم يدفع ما عليه من زكاة المال فلا يصدق أحد ويقول: أنا علي ديون كذا، والمال الذي عندي كله دين، وأنا عندي عشرة آلاف لكن غالبه دين والذي يأتي إليه يصدقه فيما يقول، فلا يلزمه ويقول: زك مالك وإلا سندخلك السجن ونعمل فيك هذا، هذه أشياء الشريعة لا تأتي بمثلها أبداً، ولذلك ربنا يقول لنا: {إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ} [محمد:٣٧]، فالله سبحانه يحثنا ويأمرنا بدفع الزكاة وإذا بنا نبخل {وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} [محمد:٣٧] وكأنها طبيعة في الإنسان يقال له: هات أكثر فيقول: لا ما أدفع أكثر من هذا الشيء، فيتعلم الإنسان أنه لا يرهق أخاه، الله سبحانه يخفف والإنسان يشدد على غيره ليدفع أكثر فالله سبحانه تبارك وتعالى أعلم بنفوس الخلق: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ} [محمد:٣٦] يعني: لا يسألكم جميع أموالكم، وإنما هي نسبة بسيطة من المال يطهر بها لكم أموالكم، ويأخذ الفقراء نصيبهم الذي عندكم، ولم يسألكم المال كله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>