[الربا من كبائر الذنوب]
وهناك كبائر من الذنوب نص النبي صلى الله عليه وسلم على أشياء منها، فالربا مثلاً من أفحش ما يقع فيه الإنسان من الذنوب، يقول لصاحبه: أسلفك مائة على أن تردها لي مائة وعشرة، أو تردها لي مائتين، فهذا يأكل دماء ولا يتاجر، فلابد أن تعطي إنساناً القرض على سبيل المواساة والرفق به، وتأخذ مالك بعينه، ولا يجوز لك أن تقرض الإنسان شيئاً وتقول: لو وضعت هذا في البنك لربحت كذا، ولو شغلتها لربحت كذا، فإذا أردت أن تأخذ مني قرضاً ثم ترده بزيادة ووافقت فهذا حرام لا يجوز؛ لأنك لو نظرت النظرة الأخرى لوجدت أن مالك سيضيع ويبور، لكن ضع مالك معك ولا تأخذ رباً على ذلك، فإذا أخذت الربا فإن الله سبحانه يقول: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة:٢٧٥] أي: يقومون من قبورهم يوم القيامة مثل المصروعين، والسكارى، يترنحون شمالاً ويميناً بسبب أكلهم أموال الناس بالباطل، وشربهم من دماء الناس بالباطل.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديث طويل ذكره سمرة بن جندب: (رأيت الليلة رجلين -وذكر في الحديث- قال: فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم، وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة، فأقبل الرجل الذي في النهر، فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع حيث كان قال: فقلت: من هذا؟ فقال: آكل الربا).
هذا عذابه في البرزخ إذا كان في قبره، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أصنافاً من الناس يعذبون في قبورهم، من هؤلاء الذين يعذبون آكل الربا؛ لأنه كان يسلف ويقول: أعطيك المائة وتردها لي مائة وعشرة، سأعطيك الألف ورتده لي ألفاً وكذا، هذا الذي يأكل دماء الناس في قبره يكون في نهر من دماء الناس يسبح فيه، فالإنسان إذا جرح ونزف الدم ثم وقف يذهب ليغسل يديه من أثر الدم، فكيف بمن يسبح فيه كله، كما كان في الدنيا طعامه وشرابه من ذلك، كذلك هو في قبره يغوص في هذا الدم ويسبح فيه.
وفي الدنيا الإنسان إذا أراد العوم في ماء البحر لا يعرف أن يعوم؛ لأن الماء كثير، فيصعب عليه السباحة، فكيف به إذا كان يسبح في نهر من دم، ومع ذلك يسبح ويريد أن يهرب من هذا النهر، فإذا وصل إلى الشاطئ فتح فمه ليتنفس، وإذا بالذي يقف على شاطئ النهر معه حجر يرمي به في فم هذا الإنسان، فيرجع مرة أخرى إلى النهر ليسبح، وهكذا إلى أن تقوم الساعة وهو على هذه الحال.
وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من علامات الساعة: من يحل للناس الحرام ويغير اسمها بأسماء أخر، فمنهم من يستحلون الخمر ويتناولونها ويشربونها، ويسمونها بغير اسمها، فتراهم يشربون الخمر ويقولون: هذا ليس خمراً، هذا اسمه حشيش، أو هذه بودرة، فيغيرون اسم الخمر، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (والخمر ما خامر العقل)، أي شيء تشربه ويذهب عقلك فهو الخمر بعينه، سواء كان جامداً أو يابساً أو طرياً، فكل ما تشربه ويذهب عقلك أو يخالط عقلك فهو من الخمر، ولكنهم يسمونها بغير اسمها ويستبيحونها ويحللونها، وكذلك الربا يسمونه: فوائد البنوك، ومن ثم يقولون: هو مال حلال ليس فيه شيء من الحرام، ويقولون لك: خذ بقول المبيح، وهذه قاعدة عجيبة جداً ما سمعناها أبداً، وما قالها أبداً أحد من أهل العلم، وهو قولهم: المسائل إذا اختلف فيها فخذ بقول المبيح، والقاعدة هي: خذ بقول من تثق فيه، ليس بقول المبيح، وإلا لأصبح كل واحد يبيح شيئاً فيأخذ الناس منه ما أباح فيبيحون الخمر والربا والسرقة، فيصبح الدين كله خذ بقول المبيح ولا حول ولا قوة إلا بالله، فهذه قاعدة ما سمعناها أبداً، وما قالها أحد أبداً، لا من فقهاء الإسلام ولا من الأصوليين ولا من غيرهم من علماء الدين، بل هذه قاعدة شيطانية يجعلها بعض الناس ليستبيحوا ويستحلوا ما حرم الله سبحانه وتعالى.
إنما على الإنسان إذا استفتى أن ينظر من الذي يفتيه، وينظر إلى دينه وإلى علمه، قال معاذ رضي الله تبارك وتعالى عنه: (احذروا من زيغة الحكيم، قالوا: وكيف نعرفها؟ قال: إن الشيطان يأتي للحكيم فيجعله يغيب ويبعد عن الصواب)، فالناس لا يسكتون جميعاً، بل لابد أن يجعل الله عز وجل في أمة النبي صلى الله عليه وسلم من ينكر المنكر على صاحبه.
إن ابن عباس رضي الله عنهما من علماء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمع حديثاً ولم يعرف باقيه فحدث بالذي سمعه فقال: (لا ربا إلا في النسيئة)، وهو عالم عظيم رضي الله عنه، ولكن فلتة عظيمة وقع فيها رضي الله تبارك وتعالى عنه، فإذا بالناس يقفون له ويقولون: ما هذا الذي تقول؟ الربا في النسيئة وفي غير النسيئة، فقد نهى الله عن الربا، قال: والله ما قلت إلا ما سمعت من فلان، إذاً: هو سمع شيئاً فحدث، ولم يسمع الباقي فأخطأ رضي الله تبارك وتعالى عنه.
فلذلك العلماء يقولون: معنى الحديث: أن الربا الذي كان موجوداً عندهم هو ربا النسيئة، فإذا كان ربا النسيئة حراماً وأنت تستفيد منه، فكيف يكون ربا الفضل حلالاً؟ والفرق بين الاثنين: أن ربا النسيئة أن تستقرض الألف وبعد شهر تردها ألفاً ونصف الألف، وهو حرام لا يجوز، أما ربا الفضل فكأن يقول لك: خذ ألفاً وأعطني ألفاً ونصف الألف، فقوله: (لا ربا إلا في النسيئة)، أي: الغالب ذلك، فإذا كانت النسيئة حراماً فربا الفضل أشد حرمة منه، ولكن ابن عباس حدث بذلك فأخطأ رضي الله عنه فوقف، فهو صحابي وعالم كبير.
وحدث ابن عباس بنكاح المتعة بأنه يجوز، فقام له الصحابي علي بن أبي طالب وقال له: إنك إنسان تائه، وهذا اعتراض من علي بن أبي طالب رضي الله عنه على ابن عباس، قال: إنك إنسان تائه، ثم قال: (لقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية وحرم المتعة).
فالحكيم قد يقع في الخطأ، ولكن لن تتركه الأمة على خطئه، بل يقومونه إذا أخطأ، فلذلك حذرنا معاذ من زيغة الحكيم، ولم يحذر من زيغة بقية الناس؛ لأن الإنسان الذي يقوم أمام الناس وهو قدوة لهم أو يظنون فيه أنه كذلك قد يقتدون به في خطئه، والعصمة في كتاب الله وسنة النبي صلوات الله وسلامه عليه، فقد حرم الله الربا، وكل العلماء إلى سنين قليلة ماضية متفقون على أن فوائد البنوك حرام، ولكن الوضع تغير الآن، فقد جعلوا هذه الفوائد حلالاً بعدما كانت حراماً، وهي بنوك لم تتغير معاملتها إلى الآن، فاحتالوا على الناس وقالوا: نجعل فرعاً إسلامياً في هذا البنك والمعاملة نفس المعاملة، والموظفون نفس الموظفين، والإنسان المؤمن حين يسمع أحاديث الربا يخاف على نفسه.
هذا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءه بلال رضي الله تبارك وتعالى عنه بتمر جيد، وقد كان من نصيب النبي صلى الله عليه وسلم تمر رديء، فسأله النبي صلى الله عليه وسلم: (أكل تمرنا هكذا؟)، أي: تمرنا تمرنا تمر رديء فمن أين أتيت بهذا؟ قال: إني أبيع الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوه! عين الربا، لا تفعل) أي: فأنت قد وقعت في الربا، وبلال لم يكن يعرف ذلك رضي الله تبارك وتعالى عنه، وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم كيف يتخلص من التمر الرديء، فقال: (بع التمر الرديء بالمال، واشتر بالمال التمر الآخر)، إذاً: جعل له النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصرف ببيع التمر الرديء بالمال، ثم يشتري بالمال التمر الآخر، لكن لا يبع التمر بالتمر، فإن التمر جنس ربوي والتمر الآخر جنس ربوي، ولذلك قال: (أوه!)، أي: يتأوه ويتوجع لهذا الذي فعله، وقال: (هذا عين الربا).
فالربا مصيبة، ومهما ظن المرابي أنه رابح وأنه سوف يكون له مال كثير، فإن عاقبته في النهاية إلى قلة وإلى ذلة وإلى ضياع، كما أخبرنا النبي صلوات الله وسلامه عليه فقال: (الربا ثلاثة وسبعون باباً)، وفي رواية: (اثنان وسبعون حوباً -ذنباً- أدناه كالذي يأتي أمه في الإسلام)، والعياذ بالله! فهذا أدنى ما يكون من الربا، فكيف تقبل من نفسك أن تفعل ذلك؟ وإذا تكلمنا عن البنك نتكلم عن المعاملات أيضاً، فمن الناس من يفتح بقالة، فيأتيه شخص ويعطيه عشرة آلاف جنيه ويقول: شغل هذه النقود لي، وسأعطيك كل شهر مائتي جنيه، فكيف يشغل هذا المال من أجل أن يعطيه كل شهر مائتي جنيه؟ فإما أن يشغل هذا المال مضاربة، وإما أن يكون مستلفاً منه هذا المال، فعلى صاحب البقالة أن يرد المال كما كان من غير زيادة، أو يوضح ما الذي يصنع فيه.
فإذا أردت أن تشغل مال شخص ما، وأخذت منه ألف جنيه، فإذا شغلتها مع مالك كله فتحسب، فتقول مثلاً: مالي عشرة آلاف، ووضعت عليها هذا الألف فصارت إحدى عشر ألفاً فأشغل الجميع، وفي النهاية تقول لصاحب الألف: لك من ربح مالك خمسون في المائة ولي خمسون في المائة من الربح، فإذا خسر المال وكان بتفريط مني فالخسارة علي جميعها، وإذا كان قضاء الله وقدره من غير تفريط مني فنتحملها جميعاً.
هذا إذا أراد أن يضارب بأموال الناس، أما أنه سيأخذ منك عشرة آلاف ويعطيك كل شهر مائتين وهكذا، وأنت تطالب بحقك وتريد مائتين وخمسين، فتجد البعض من الناس بسماجة وغباء يقول لك: أنا لا أتعامل بالربا، فالربح مرة كذا، ومرة كذا، مرة أعطيك مائتين، ومرة أعطيك مائتين وعشرة، فكونك حددت ربحاً على رأس المال فهذا هو الربا.
والمعاملة بالمضاربة أن يأخذ نسبة من الربح، فإذا كان الربح ألفاً يشغل هذا الربح، فإذا كان منه نصف الربح يكون لطرف واحد ربع الربح، وهذا الذي يأخذه ليس من رأس المال، بل من الربح الذي يحصل، فإن لم يكن في ذلك ربح فليس له شيء طالما عمل الطرف الثاني الذي عليه، فهذا الذي يجري في المضاربة الشرعية التي لا يكون عليه شيء فيها، أما أخذ أموال الناس بصورة من صور الربا، فهو داخل تحت هذه الأحاديث التي قالها النبي صل