[من فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه]
قال العلماء: لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسلم هو وأبوه وأمه وأبناؤه إلا أبو بكر الصديق رضي الله تبارك وتعالى عنه، فلذلك ذكروا أنه هو الذي تتعلق به هذه الآية، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
قال علي رضي الله عنه: هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فقد أسلم أبواه جميعاً، ولم يجتمع لأحد من المهاجرين أن أسلم أبواه غيره، فأوصاه الله بهما، ولزم ذلك من بعده.
ووالده: أبو قحافة، واسمه: عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم، وأمه: أم الخير، واسمها سلمى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد، وأم أبيه قيلة، وامرأته قتيلة رضي الله تبارك وتعالى عنه وعن أهله المسلمين الذين تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه أكثر الناس بعد النبي صلى الله عليه وسلم عملاً صالحاً، فقد دعا ربه: أوزعني أن أعمل صالحاً ترضاه، فألهمه الله عز وجل ذلك، حتى شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بقوة الإيمان، وشهد له بالجنة صلوات الله وسلامه عليه، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لو وزن إيمان أبي بكر رضي الله عنه وإيمان الأمة ليس فيها النبي صلى الله عليه وسلم لرجح إيمان أبي بكر على إيمان الأمة رضي الله عنه، ويكفيه شرفاً وفخراً أن لقب بـ الصديق رضي الله عنه، فلا يكره ولا يبغض أبا بكر إلا منافق ومجرم وملعون.
إن فضائل أبي بكر كثيرة، وقد شهد له بها علي رضي الله عنه، وشهد ابن عباس وهو من آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس رضي الله عنه: دعا أبو بكر ربه بقوله تعالى: ((وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ)) قال: فأجابه الله عز وجل، فأعتق تسعة من المؤمنين المعذبين في الله عز وجل، منهم: بلال، وعامر بن فهيرة رضي الله تبارك وتعالى عن الجميع.
ولم يدع شيئاً من الخير إلا أعانه الله عز وجل عليه ببركة دعائه، واتباعه للنبي صلوات الله وسلامه عليه.
ففي صحيح مسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل أصحابه فقال: (من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا، قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)، ولم يحصل في ذلك اليوم هذا الفضل إلا لـ أبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه، فشهد له النبي صلى الله عليه وسلم مراراً بأنه من أهل الجنة رضي الله عنه.
وشهد له بالصديقية يوم أن وقف على جبل أحد ومعه عمر، فاهتز الجبل بمن عليه فوطأه النبي صلى الله عليه وسلم بقدمه، وقال: (اثبت أحد فإنه ليس عليك إلا نبي، أو صديق، أو شهيد)، فالصديق هو: أبو بكر الصديق، والشهيد هو عمر رضي الله تبارك وتعالى عن الجميع.
ودعا أبو بكر ربه فقال: ((وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي))، فأصلح الله عز وجل له ذريته، فمنهم: ابنته عائشة رضي الله عنها، ومعلوم فضلها، ومنهم: أسماء رضي الله تبارك وتعالى عنها، ومنهم عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه، ومعلوم فضله وخاصة في جهاده في سبيل الله، وبلائه العظيم في يوم اليمامة، وبطولته المنقطعة النظير رضي الله تبارك وتعالى عنه، ومن فضل أبي بكر وآل أبي بكر رضي الله تبارك وتعالى عنه قوله: ((وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ))، فكانت سنة للمسلمين أن يقتدوا بـ أبي بكر في الدعاء، وأن يتبعوا هذه الآية العظيمة، وأن يدعوا باسم الله الذي يعين على العمل الصالح، والذي يصلح الذرية، والذي يؤدب ويربي ويرزق سبحانه، فأنت عليك الدعاء والله عليه الإجابة والتثبيت سبحانه.
قال مالك بن مغول: شكا أبو معشر ابنه إلى طلحة بن مصرف رضي الله عن الجميع، وكأن ابنه يعصيه ويقع في شيء من المعاصي، فقال طلحة بن مصرف: إذا رأيت من ابنك نفوراً أو بعداً عن الطاعة فاستعن عليه بهذه الآية التي فيها الدعاء، قال الله تعالى: ((رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي)).
فتدعو ربك بصلاح الذرية، وتستعين بالدعاء، والله عز وجل يرفع عنك وعن أولادك البلاء.
والتوبة: هي الرجوع إلى الله عز وجل، والرجوع إلى أمره سبحانه الذي أمرك أن تكون عليه، قال تعالى: ((وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) أي: من المخلصين الموحدين الله سبحانه.