للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الزمر: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ * أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنقِذُ مَنْ فِي النَّارِ * لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ} [الزمر:١٧ - ٢٠].

أخبر الله سبحانه تبارك وتعالى في هذه الآيات عن حال المشركين الذين اتبعوا الباطل وعبدوا غير الله سبحانه، وأخبر عن المؤمنين الذين اجتنبوا الطاغوت وعبدوا ربهم وحده لا شريك له، فأما من عبد غير الله سبحانه وأشرك بالله سبحانه فقد قال لهم ربنا سبحانه: {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الزمر:١٥].

فالذين عبدوا غير الله سبحانه، فأشركوا بالله واتبعوا الهوى، واتبعوا الشيطان، واتبعوا الطواغيت من دون الله سبحانه؛ فربنا سبحانه يخبر عن حالهم يوم القيامة فيقول: {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ} [الزمر:١٦]، فهي نار مؤصدة مشتعلة يحطم بعضها بعضاً، وأهلها فيها ومن فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل، من تحتهم مهاد من النار ومن فوقهم غواش تغشيهم من ألحفة النار والعياذ بالله.

وهم في النار لا يخرجون منها فقد سبقت فيهم كلمة الله سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:٩٦]، فكفروا بربهم وأشركوا به فاستحقوا العذاب، وأما المؤمنون الذين اجتنبوا الطاغوت، واجتنبوا أن يتبعوا الشيطان، واجتنبوا أن يتبعوا كل مارد عاتٍ عن أمر الله سبحانه، وكل غاو مضل؛ فهؤلاء لهم من فضل الله سبحانه تبارك وتعالى البشرى، قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزمر:١٧].

والطاغوت هو من طغى وجاوز حده، فكل ظالم جاوز حده فهو الطاغوت، إذا كان يدعو إلى نفسه فيزعم أنه رب البشر كما زعم فرعون والنمرود، أو زعم أن من حقه أن يشرع للخلق ما لم ينزل الله عز وجل به سلطاناً، أو زعم أنه يعلم الغيب من دون الله سبحانه أو مع الله سبحانه أو أن الله أطلعه على الغيب ولم يكن نبياً ولا رسولاً؛ فهؤلاء الطواغيت الذين كذبوا على الله وافتروا فاستحقوا العذاب.

فالذين اجتنبوا الطواغيت أن يعبدوها وأنابوا إلى ربهم، فرجعوا منيبين إليه طائعين مخبتين؛ لهم البشرى، يبشرهم الله بجنته سبحانه تبارك وتعالى.

قال {فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر:١٧ - ١٨] وقد ذكرنا أن يعقوب يقرؤها وقفاً ووصلاً (فبشر عبادي)، والسوسي يقرؤها في الحالين بالياء أو بدون الياء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>