[من أخبار ذي القرنين]
قال الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} [الأنبياء:٩٦] قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} [الأنبياء:٩٦] قبيلتان من أعظم القبائل التي خلقها الله سبحانه وتعالى، وهم قبيلتان من بني آدم، وقدمنا ذكرهم في سورة الكهف.
وجاء في حديث طويل في صحيح مسلم ذكر هؤلاء الناس، وذكرت قصتهم في سورة الكهف.
قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي القرنين} [الكهف:٨٣] وذو القرنين عبد من عباد الله الصالحين مكن له ربه في الأرض، قال تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا} [الكهف:٨٤] يعني: يصل إلى أي مكان في الأرض يريد الله أن يصل إليه فيسبب له الأسباب، فقد وصل إلى مشرق الشمس وإلى مغرب الشمس بتيسير من الله سبحانه.
واتبع ذو القرنين الأسباب حتى وصل إلى قوم لم يجعل الله لهم من دون الشمس سبباً أو ستراً، والله على كل شيء قدير، يجعل لأناس عقولاً يفكرون فيكون بينهم وبين الشمس ستر، ويجعل لغيرهم من الناس قلة حيلة، فلا يعرفون أن يستتروا من الشمس بشيء، فهؤلاء لا بيوت لهم يستترون بها من الشمس.
قال تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا} [الكهف:٨٩] فـ ذو القرنين وصل إلى مطلع الشمس ووصل إلى مغرب الشمس، ثم أتى إلى قوم {لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} [الكهف:٩٣] والقراءة الأخرى: (لا يكادون يُفقِهون قولا) يعني: لا يعرفون أن يتكلموا بكلام يفهم منهم، وهم أنفسهم لا يفهمون ما يقال، يعني: لسانه غير لسانهم، فلا يفهم منهم ما يقولون، فهم يتكلمون بلغة غريبة عليه فلا يكادون يُفقِهونه أو يفهمونه ما يريدون أن يقولوه، والغرض: أنهم أفهموه أن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض، قال الله تعالى: {فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} [الكهف:٩٤] أي: ندفع لك ضريبة وتضع بيننا وبينهم سداً.
قال تعالى: {قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ} [الكهف:٩٥] أي: لن أنتظر ضرائبكم، فالله قد أعطاني خيراً عظيماً، لكن أعينوني بما عندكم من آلات، قال تعالى: {آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} [الكهف:٩٦] أي: رفع الحديد بين الجبلين وجعل حديداً وفوقه نحاساً، فجعل سداً عظيماً بينه وبين هؤلاء وأفرغ عليه من القطر، أي: النحاس، حتى لا يخرج هؤلاء القوم، فحبسهم الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} [الكهف:٩٧] أي: لم يستطيعوا أن يقفزوا من فوقه، قال تعالى: {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف:٩٧] أي: لم يستطيعوا أن يخرقوا فيه خرقاً يخرجوا منه؛ لأن هذا أمر الله سبحانه وتعالى.
فلما حبسهم {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف:٩٨] فهذا أمرٌ مؤقت إلى أن تأتي علامات الساعة، فمن علامات الساعة أن يخرجوا من هذا المكان.
قال تعالى: {وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا} [الكهف:٩٨] أي: لا بد أن يقع ذلك.
هنا قال تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ} [الأنبياء:٩٦] فقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ} [الأنبياء:٩٦] قراءة الجمهور، وقراءة ابن عامر وأبي جعفر ويعقوب: (حتى إذا فُتِّحت).
وقوله تعالى: {يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ} [الأنبياء:٩٦] هذه قراءة عاصم فقط، وباقي القراء يقرءون: (ياجوج وماجوج).