[تفسير قوله تعالى: (وقالوا لولا أنزل عليه آيات من ربه)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ} [العنكبوت:٥٠].
يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن المشركين في صنيعهم مع النبي صلى الله عليه وسلم وتعنتهم معه وجحودهم وتكذيبهم، قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ} [العنكبوت:٥٠].
ف
الجواب
يطلبون آيات حسية، ومعجزات يرونها أمامهم كما أرسل موسى بالعصا التي صارت حية، وكما أخرج يده فصارت بيضاء لها شعاع كالشمس، وكما أرسل إلى ثمود أخوهم صالح ومعه آية من آيات الله طلبوها وهي الناقة معها فصيلها، فطلبوا أن يروا شيئاً كهذا، وقد رأوا آيات من الله سبحانه وتعالى، وأعظم الآيات والمعجزات هذا القرآن العظيم الذي تحداهم الله أن يأتوا بمثله فلم يستطيعوا، ولكن كفرهم وتكذيبهم يجعلهم يتعنتون ولا يستحيون.
لكنهم يريدون آيات يرونها نازلة من السماء، وقد رأوا بعض هذه الآيات، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم من ربه سبحانه أنه لو جاءتهم آية يرونها جميعهم فيكذبون فسيأتيهم العذاب بعد ذلك.
فلما طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل الله له الصفا ذهباً، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه ذلك، فأخبره ربه سبحانه أن لو فعلنا فكذبوا أهلكناهم، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يطلب ذلك.
فالآية التي تأتي عامة من عند الله سبحانه ويراها الجميع إذا كذبوا جاء العذاب من عند رب العالمين سبحانه.
وانظر لما طلب الحواريون من المسيح عيسى عليه الصلاة والسلام أن ينزل عليهم من عند ربهم مائدة من السماء، فقال المسيح عليه الصلاة والسلام لهم: {اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة:١١٢]، فقال الله عنهم: {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} [المائدة:١١٣].
فسأل المسيح على نبينا وعليه الصلاة والسلام ربه هذه الآية، فكان الجواب من الله: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة:١١٥].
إذاً: الآية التي تطلب ثم تأتي ويصر من رآها على التكذيب يأتيه عذاب يستأصل الجميع.
ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رحمة للعالمين، فمن رحمته أنه لم يجبهم فيما طلبوه.
فإن قيل: وانشقاق القمر ألم يكن من الآيات التي من الممكن أن يراها الجميع؟ ف
الجواب
آية انشقاق القمر لم تكن للجميع، ولو رآها جميع الكفار لأهلكهم الله عز وجل بتكذيبهم بعد ذلك.
وإذا كان بعضهم قد طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية التي كانت بالليل، والناس نائمون، فالذين طلبوا فقط هم الذين رأوا ذلك، وكذلك المسافرون أيضاً رأوا ذلك في سفرهم، ولذلك عندما كذب الذين رأوها جاءهم وعيدهم في حياتهم، فمنهم من قتل، ومنهم أخذه الله سبحانه وتعالى.
لكن الكفار يريدون آية عامة كأن تحول لهم الصفا ذهباً ويراها الجميع ليل نهار، أو ينزل لهم من السماء كتاب يذكر أن محمداً رسول من عند رب العالمين، ويرونه وهو نازل من السماء ومعه ملائكة يشهدون، وقالوا: ولو فعلت ذلك ما نظن أننا نؤمن بك.
إذاً: الأمر هو تكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يريدون أن يؤمنوا أصلاً، إنما يريدون أن يجادلوا بالباطل.