[تفسير قوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)]
قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] يعني: هلا تدبروا كتاب الله سبحانه تبارك وتعالى، والفاء هنا: عاطفة، فهي: (ألا يتدبرون) والفاء: للعطف، فتقتضي الترتيب والتعقيب، أي: إذا سمعتم ذلك فهلا تدبرتم كتاب الله عز وجل، وفقهتم، وفهمتم ما فيه؟! قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [محمد:٢٤] بالهمزة في قراءة الجمهور، وقراءة ابن كثير: (القران) والمعنى واحد.
فقوله: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ} [محمد:٢٤] فيه حث على تدبر كتاب الله سبحانه تبارك وتعالى، وقد أمرنا الله فقال: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأعراف:٢٠٤] استمع وليس مجرد سماع، فتكون الآيات تمر على الأذن من غير أن تعيها، وإنما قال: أنصت، فلا بد أن تحترم كتاب الله عز وجل، وتستمع وتصغي السمع إلى كتاب الله عز وجل، وتتأمل وتتدبر في كتابه سبحانه تبارك وتعالى.
قوله: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤]، هذا استنكار من الله، وقال: (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ) ولم يقل: (أم على قلوبهم)، فأراد بذلك العموم، والمعنى: أي قلوب هؤلاء وقلوب أمثالهم، وليس قلوبهم فقط، فقال: (أم على قلوب) والمعنى: أن كل إنسان هذا حاله، لا يستمع لكتاب الله عز وجل، ولا يعيه، ولا يتدبر فيه، فعلى قلبه قفل، وهو الغلق الذي يجعل على الباب، كذلك هؤلاء: (أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) ولم يقل: (أقفال) وكأن كل قلب من قلوب هؤلاء المنافقين عليه قفل يناسبه.
وكذا كل إنسان يسمع كلام الله عز وجل فلا ينتبه له، ولا يعي ما يقوله الله عز وجل، ولا يعمل به، يكون داخلاً تحت هذه الآية، وكل من أعرض عن كتاب الله سبحانه، ونصح بالقرآن وقيل له: إن الله يأمر بكذا، فرفض أن يفعل ما أمره الله عز وجل، فعلى القلوب أقفالها.
إذاً: هنا ربنا سبحانه في هذه الآيات يشير إلى أنه يجب على الإنسان المؤمن أن يمسك لسانه عن تمني الشيء الذي لا يقدر عليه، فيجب على الإنسان المؤمن أن يتدبر كتاب الله سبحانه، وأن يعمل به، ويجب على الإنسان المؤمن إذا ولاه الله عز وجل ولاية من الولايات أن يراعي في ذلك إقامة الحق والعدل، ولا يتنصل من أقربائه، ولا يقطع رحمه.
وهنا لاحظ بين إنسان يوليه الله عز وجل ولاية، فيقوم بتوظيف أقاربه، فلان يجعله في كذا وفلان يوليه كذا، وهنا ليس معنى الآية كذلك، ليس المعنى أن توظف أقاربك، فتكون بهذا وصلت الأرحام، ولكن الإنسان الذي يتولى ولاية، فمن الأمانة أن يجعل الإنسان في مكانه.
إذاً قوله: {وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ} [محمد:٢٢] معناه: أنهم إذا ولاهم الله يتكبرون فيقطعون أرحامهم، فلا يعرفون إلا المنافقين، ولا يعرفون إلا الكبراء بزعمهم، أما الصغار الذين كانوا يعرفونهم قبل ذلك، فقد أصبحوا يحتقرونهم الآن، فهذا هو المعنى.
أما الذي يتولى ولاية من الولايات، فيبتدأ بتوظيف كل أقاربه فيها، ويضع محسوبياته من غير كفاءة ولا غيرها، فهذه من علامات الساعة، وقد سأل سائل النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه العلامات فقال: (إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة) فأي إنسان يتولى ولاية من الولايات، فيبدأ بتوظيف فلان، فيضعه في المصلحة المعينة لأنه قريبه، ويكون أهل الكفاءة في هذا الشيء معزولون، ويولى من لا يصلح، فهذه هي الخيانة، وهذه من أشراط الساعة وعلاماتها.
وفي الآية حث على صلة الأرحام، وليس معناه أنك تجامل في غير الحق وفي الباطل.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.