فانظر إليهم في الدنيا وانظر إليهم في الآخرة، ففي الآخرة يتواضعون حين يرون العذاب، وفي الدنيا كانوا مستكبرين يتعالون على ربهم سبحانه، وعلى أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام، فلا يصدقون ولا يؤمنون، فيتضرعون وهم في النار في الآخرة يقولون:(ربنا)، فهذا ربهم الذي جحدوه قبل ذلك وكذبوه، وكانوا إذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوبهم، وإذا دعي غير الله سبحانه وأشرك به {إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}[الزمر:٤٥]، فهذا في الدنيا، فلما عاينوا العذاب، ورأوا هلاكهم {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ}[غافر:١١]، فعرفوا قدرة الله العظيمة يوم القيامة، وفي الدنيا أعرضوا، وكذبوا، وجحدوا، واستكبروا، وفي الآخرة قالوا: يا ربنا! أنت على كل شيء قدير، فأنت الذي أوجدتنا من عدم، فقد كنا نطفاً في آبائنا أمواتاً فأحييتنا، وأوجدتنا في أرحام أمهاتنا، وخلقتنا هذا الخلق الذي خلقتنا عليه، فكنا في هذه الدنيا أحياء فكذبنا وأعرضنا، ثم قدرت علينا الموت فقبضت أرواحنا، ثم أحييتنا بالبعث والنشور، فهنا إماتتان وإحياءان، فالأولى حين لم يكونوا شيئاً، أو كانوا نطفاً لا حياة فيها بالمعنى المعروف للحياة، ثم كانت هذه النطف أجساداً في بطون الأمهات ونفخت فيها الأرواح، فهذه الحياة الأولى، ثم أماتهم فأقبروا، وهذه الموتة الثانية، ثم بعثهم فنشروا، وهذه الحياة الثانية، قال تعالى:{أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ}[غافر:١١]، والمعنى: أنك يا ربنا على كل شيء قدير، فكما قدرت على الإماتة وعلى الإحياء فإنك تقدر على إرجاعنا إلى الدنيا مرة ثانية، {فَارْجِعْنَا}[السجدة:١٢]، أي: يتوسلون إلى الله سبحانه بصفاته وبقدرته سبحانه العظيمة، فأنت على كل شيء قدير فأعدنا مرة ثانية إلى الدنيا حتى نعبدك.
والله سبحانه أعلم أن هؤلاء لا ينفع معهم ذلك، قال تعالى:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ}[الأنعام:٢٨]، أي: لو ردوا إلى الدنيا لعادوا لما نهاهم الله عز وجل عنه من الكفر والشرك بالله، ولأعرضوا عن ربهم، ولكفروا وكذبوا مرة ثانية، فالله يعلم أنهم لا يستحقون إلا النار.
قال الله سبحانه عن هؤلاء:{قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}[غافر:١١]، فهل هناك أي صورة أو وسيلة للخروج من النار؟!