يذكر الله عز وجل عباده بهذه الآية وما يليها بيوم القيامة، وما يكون في هذا اليوم من سؤال عما أنعم الله عز وجل به على العباد، وعما فعلوه في هذه النعمة، وهل شكروا النعمة وذكروا صاحب النعمة، أم أنهم كفروا ربهم سبحانه واستوجبوا على أنفسهم منه النقمة.
أي: قد فعلتم ذلك، فالإنسان يستغل هذه الدنيا إما فيما ينفعه أو فيما يضره، والنفع إما يكون عاجلاً أو آجلاً، والمضرة كذلك، فالإنسان الذي يجلب لنفسه الضرر في الدنيا عندما يستغل في الباطل فإنه يدين على نفسه الشؤم فيها بمعصيته لله سبحانه، ثم عقوبته يوم القيامة، وهذا الإنسان من الخاسرين.
وأما المؤمن فيطلب الراحة الأبدية والنعيم المقيم ولو بمضرة عاجلة، فمهما أصيب الإنسان المؤمن في الدنيا ببلاء لو قيس بما يكون يوم القيامة من عذاب ومن صعوبات ومشقة وحساب وعرض، فإن الذي يكون في الدنيا يسير؛ ولذلك فالصادقون نظروا في هذه الآية فعملوا بما أمر الله عز وجل به، وتذكروا هذا اليوم، وتذكروا أنهم إن أذهبوا طيباتهم في هذه الحياة الدنيا، واستغلوا الدنيا وأخذوا كل ما يريدون، ونالوا كل ما يشتهون فإن ذلك لا ينفعهم بل يضرهم، ولا شك أن الإنسان الذي ينكب على الملذات لن يكفيه أن يأخذ من الحلال فهو طماع، والطماع لا يكتفي بالحلال، بل لا بد أن يقع في الشيء الذي فيه شبهة، ثم يتعدى بعد ذلك إلى الحرام، لذلك على الإنسان المؤمن أن يربي نفسه ويهذبها ويؤدبها، ولا يأخذ كل ما أحل له، فإذا أخذ كل الحلال تعدى بعد ذلك إلى الحرام، ولكن ليجعل بينه وبين النار حاجباً وستاراً من الحلال حتى يترك الحرام، ولذلك أدبنا ربنا سبحانه بعبادته، فجعل شهراً في العام تصوم فيه، تصوم عن الحلال، فالطعام والشراب حلال لك في غير وقت الصيام، وفي وقت الصيام يصير محرماً عليك لا يجوز لك أن تأكل ذلك، فتتمرن على أنه ليس كل شيء تشتهيه لا بد أن تأكله، تأديباً وتهذيباً لنفس الإنسان وليس تعذيباً لها، وإنما ليربي نفسه.
فهنا يقول الله عز وجل مذكراً عباده:((وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا)).