للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل)]

قال تعالى: {ذَلِكَ} [محمد:٣] أي: الأمر الذي ذكره الله عز وجل، وهو إضلال الكفار، وإصلاح حال المؤمنين وهدايتهم، {ذَلِكَ} [محمد:٣] وهي كلمة فصيحة؛ لأنها تعبير عن جملة، وهي أن الذي ذكر هذه الآية أشار إليه بذلك، وكل الذي فعله الله عز وجل من إصلاح حال المؤمنين، وإضلال أعمال الكافرين، من صنع الله سبحانه له سبب وهو: {بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد:٣].

فالكفار اتبعوا الضلال، واتبعوا الباطل، وهم في غيهم يلعبون، ومع ذلك يصدون المؤمنين عن عبادتهم، ويصدونهم عن ربهم سبحانه تبارك وتعالى، والكافر يظن أن المؤمن ليس بأحسن منه، فهو لا يقبل أن يكون المؤمن أفضل منه، حتى وإن قال الكافر: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:٦] فلن يسكت أبداً عن المسلم؛ لأن المسلم دينه حق، ولو دعا إليه سيتبعه الناس، فالكافر لا يريد ذلك، فإذا جاء على المسلم ضيق عليه، كما صُنع مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقيل له: إذا أردت أن تقرأ القرآن، فاقرأ في بيتك، ولا تقرأه علينا، فأخذوا الميثاق على ذلك، ونادوا بمن أجار أبا بكر فإذا به يلتزم لهم ألا يقرأ أبو بكر عليهم القرآن، وبنى مسجداً في داره، وجلس يقرأ القرآن فيه، فإذا بنساء المشركين، يتهافتن ويأتين إلى بيت أبي بكر الصديق، يسمعن من أبي بكر الصديق القرآن، فرفض الكفار ذلك، وقالوا: لا يقرأ حتى لو كان في بيته.

فالكافر لن يكف عن إيذاء المسلمين، ويقول لك: تصرف على راحتك، وخذ حريتك، هذا غير ممكن، ولن يسكت على ذلك، مع أنه يعرف دينك، والمستشرقون درسوا هذا الكتاب، ودرسوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، والقرآن فيه كذا، والسنة فيها كذا، ولو انتشر ذلك هم الذين سيغلبون ويسيطرون على الدنيا؛ لأن كلامهم الحق.

فهم يضربون المسلمين ضربات قاصمة، من أجل أن يفتتوا الدين، ويفرقوا المسلمين، بعدما كانوا دولة واحدة وخلافة تحكم الدنيا كلها، فتتوها إلى دويلات وإمارات وجمهوريات، وأصبح كل واحد ينظر لما عنده وليس له شأن بأحد، والمسلمون في كل مكان يحصل لهم ما يحصل، وهو يقول: ليس لي شأن، والمهم الذي نحن فيه فقط، والمكان الذي نحن فيه.

ودخلوا في ديار المسلمين، وأخرجوا نساء المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا: (إن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء)، فهي أعظم فتنة، ونادوا بخروج المرأة من البيت، وبدءوا يقننون للزنا والفواحش القوانين تحت ما يسمى: بالحرية والمساواة والعدالة مع المرأة، ومبدأ مساواة المرأة بالرجل، فتخرج المرأة وتفعل ما تشاء، ليس لأحد شأن بها، وبدءوا يتحكمون في بلاد المسلمين.

وقالوا: إن المرأة مظلومة، فأقرت الأمم المتحدة قانوناً للنساء، لا بد أن يطبق في كل بلد من البلدان، فأصبح المسلمون كلهم يقولون: إن المرأة نصف المجتمع، ولا بد أن نعطي لها مكاناً في البرلمان، واحتجت أمريكا على الدول التي تكون فيها المرأة منقبة، وقالوا: لا بد للمرأة أن تتحرر من هذا النقاب! فهم يتدخلون في جميع شئون بلاد المسلمين، ويقولون: لا نسكت على هذا الشيء، لا بد أن تخرج المرأة حتى ينتشر العهر والجنس، وحتى يقع الناس في الزنا، وحتى ينزل عليكم غضب الله سبحانه تبارك وتعالى، وحتى تتركوا دينكم، وحتى لا تنتصروا؛ لأنهم يعلمون أن هذا هو الدين الذي تنتصرون به، فالكفار عرفوا أن المسلمين إن تمسكوا بدين الله، نصرهم الله عز وجل، فبدءوا يدخلون الشبهات والشهوات عقول شباب المسلمين، حتى يصرفوهم عن الجهاد، فأدخلوا لهم المسكرات، وأحلّوا لهم الخمر والحشيش والفواحش، وغيرها من أساليب الإدمان التي تزج بشباب المسلمين إلى المصحات أو القبور.

وبين الحين والآخر يخترعون أشياء وينزلوها في بلاد المسلمين، وإذا وصل الحال بشباب المسلمين إلى ذلك، لن يكون لهم جيوش، فما دام الشاب سكراناً ومحذراً وضائعاً، فلا قوة للبلدان المسلمة، ولماذا تقوم الدول والحكومات بإنشاء الجيوش؟ فإذا أراد الكافر في أي يوم أن يضربك، لن تستطيع أن تدافع، ولن يكون أمامي إلا شعبك، لديك مدافع ولديك دبابات، ولكن ليس لها المدى الذي تصل به لطائراتنا، ولا لهجومنا، هؤلاء الكفار الذي حذر الله منهم بقوله: {كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلا ذِمَّةً} [التوبة:٨] فهم يقولون: سنضربكم، وندمر دولكم بدعوى وجود الإرهاب في بلادكم، أتينا لنعلمكم الديمقراطية، والحرية، وأتينا نقرر عندكم مبادئ المساواة والعدالة، وإخراج النساء من المنازل، والمسلمون للأسف الشديد حتى إذا لم يصدقوا فهم مغلوبون على أمورهم، وعلى عقولهم، وهم يمضون وراء التيار، لكي لا تضيع الرياسة منهم، ولكيلا تضيع الكراسي منهم، وهم يقومون بإخافتهم بلعبة العصا والجزرة التي يلعبون بها مع القرد أو الأرنب أو غيره، يقولون: نعطيك الجزرة إذا مضيت معنا، ونضربك بالعصا إذا خالفت دربنا، فإذا بهم يمضون وراء هؤلاء في كل ما يقولون! ويحذرنا القرآن من ذلك، فإذا ظهروا عليكم لن يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة، وأكبر دليل على ذلك ما يصنعون في العراق، ففي كل يوم يضربون العراق وأهله، وهم إذا أرادوا قتل جماعة من الناس في أي دولة من الدول فإنهم يطلقون على هذه الجماعة وابلاً من الرصاص والمدفعيات وغيرها من الأسلحة ثم تقول الدولة والإدارة: قتلوا بنيران صديقة! وهم يريدون تطبيق مبدأ المساواة التي يريدونها، وفي الحقيقة أن المساواة والعدالة معدومة تماماً في سجونهم ومعتقلاتهم.

فلذلك من ابتعد عن كتاب الله وعن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب به الشيطان، ولعب به هواه، ولعب به الكفار وتحكموا فيه، والله مع المؤمنين إذا اعتصموا بالله، والله سيضل الكافرين؛ لأنهم اتبعوا الباطل.

قال تعالى: {وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد:٣]، فهداية المؤمنين منوط بذلك، فالمؤمن لا بد أن يكون متبعاً للحق من عند الله، وليس مبتدعاً، ولا بعيداً عن دين الله سبحانه، تاركاً له وراء ظهره، {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} [محمد:٣]، ما هي نتيجة هذا الشيء؟ أن الله مع المؤمنين، وأن الله يكيد للكفار، وأن الله يغلبهم ويمحقهم سبحانه.

{كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ} [محمد:٣] أي: كهذا البيان الذي ذكر الله عز وجل يوضح الله لكم في كتابه، فاعقلوا عن الله ما يريد بكم من خير.

<<  <  ج:
ص:  >  >>