تفسير قوله تعالى: (وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غروراً)
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولًا * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} [الأحزاب:١٣ - ١٧].
لما ذكر الله عز وجل ما كان في يوم الأحزاب من نصر الله سبحانه وتعالى للمؤمنين، بعدما زلزلوا زلزالاً شديداً وفتنوا فتنة عظيمة، ذكر لنا ما صنع المنافقون في هذا الوقت، ليفضح المنافقين ويحذر المؤمنين أن يطيعوا مثل هؤلاء أو أن يقتدوا بهم.
فالمنافق يظهر أنه إنسان حكيم، وأنه يريد الحق والصواب، ويتشدق بالكلام على الجهاد، فإذا جاء موطن الخوف ووقت الجهاد كان أول من يفر، ويتأول لنفسه ويعتذر بأعذار يرى أنه محق في هذا الذي يصنعه، ويكذبهم الله عز وجل بما يقولون، فهنا فضحهم الله عز وجل في سورة الأحزاب، وفضحهم أكثر من ذلك في سورة براءة.
فذكر هنا سبحانه: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب:١٢].
والمنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام، والذين في قلوبهم مرض هم المنافقون، وفي قلوبهم شك ونفاق، وكل إنسان بحسبه، فمنهم من زاد النفاق في قلبه وزاد الشك والمرض حتى خرج عن الإسلام.
ومنهم من بلغ به نفاقه إلى أن يعصي الله ورسوله، وأن يترك المؤمنين ويخذلهم، فحكم هؤلاء المنافقين بحسب قدر هذا النفاق، إما أن يخرجهم من الدين بالكلية، مثل عبد الله بن أبي بن سلول، أو أنه يدفعهم بأن يعصوا رسول الله، أو أن يفروا من النبي صلوات الله وسلامه عليه.
فالذين قالوا ما وعدنا الله ورسوله إلا غررواً لا شك أنهم كافرون، لأنهم قالوا: إن وعد الله ليس بحق، والله عز وجل يقول: {إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [يونس:٥٥].
فمن قال إن وعد الله باطل، ووعد رسول الله صلى الله عليه وسلم باطل فهو كافر.