تفسير قوله تعالى: (قال إن فيها لوطاً)
قال إبراهيم وهو الأب الرحيم عليه الصلاة والسلام: {إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا} [العنكبوت:٣٢] وفي سورة هود قال تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ} [هود:٦٩] فسلم عليهم، وبعدما دعاهم إلى الطعام، وعرف أنهم ملائكة قال الله عز وجل: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:٧٤ - ٧٥] ففي إبراهيم عليه السلام ثلاث صفات من أحسن الصفات التي تكون في الإنسان: فهو حليم، أواه، منيب، (حليم): أي: عنده صبر وأناة ليس بمتعجل ولا بمتهور، وهذا الحلم ظاهر عليه عليه الصلاة والسلام في مخاطبته للملائكة عليهم السلام، فقد جادلهم في قوم لوط؛ لرحمته، وأنه يتوقع أن يؤمنوا ويمكن أن يرجعوا إلى الله عز وجل ويتوبوا.
وهو أواه، أي: رجاع إلى الله سبحانه، فظن أنهم يمكن أيضاً أن يرجعوا إلى الله سبحانه.
وكان الجدال فقال: أتهلكون قرية وفيها مائة يعبدون الله؟ قالوا: لا.
قال: أتهلكون قرية وفيها عشرون يعبدون الله؟ قالوا: لا.
قال: أتهلكون قرية وفيها ثلاثة يعبدون الله؟ قالوا: لا.
قال: أتهلكون قرية وفيها واحد يعبد الله؟ قالوا: لا.
قال: إن فيها لوطاً، فقالوا: {قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} [العنكبوت:٣٢].
إذاً: لن نهلك القرية ولوط فيها، بل سنخرج لوطاً منها ونهلك القرية بعد ذلك، وفي قوله عز وجل: {لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [العنكبوت:٣٢] قسم، أي: والله لننجينه وأهله.
وفي قوله: (لننجينه) قراءتان: قراءة الجمهور: (لنُنجِّينه) بالتثقيل.
وقراءة حمزة والكسائي وخلف: (لنُنْجينه) بالتخفيف.
قال تعالى: {إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} [العنكبوت:٣٢] الغابرون: الباقون في العذاب، فامرأة لوط من هؤلاء.
وامرأة لوط كانت تذهب وتخبر قومها عن أسرار لوط عليه الصلاة والسلام، فكانت من الكافرين فاستحقت عقوبة رب العالمين سبحانه، ولم ينفعها أن زوجها كان نبياً عليه الصلاة والسلام، كما أن ابن نوح لم ينفعه أن أباه كان نبياً، وكذلك زوجة نوح، وقد ضرب الله عز وجل المثل للكفار بهاتين المرأتين فقال: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم:١٠] والخيانة بالكفر، فلم تؤمنا، والخيانة بالوشي للأعداء بما يكون عند نوح أو عند لوط عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام.