هذه الآيات الأخيرة من سورة الدخان يذكر الله عز وجل فيها حال أهل النعيم وأهل الجنة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم، وهذا بعد أن ذكر حال أهل النار، وأنهم يدعون فيها، وطعامهم فيها الزقوم، وشرابهم فيها الحميم، ويقال لكل واحد منهم:{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}[الدخان:٤٧ - ٤٩]، أي: كنت متعززاً في الدنيا، مكرماً لنفسك لا تهينها، وتتطاول على الخلق، وتظن أن هذا ينفعك يوم القيامة، فيا من كنت عزيزاً كريماً في الدنيا ذق عذاب الحميم وعذاب الجحيم والهوان والعذاب الأليم في النار، {إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ}[الدخان:٥٠] أي: هذا الذي كنتم تتشككون فيه وتجادلون فيه بالباطل.
وأما المتقون الذي جعل الله عز وجل هذا القرآن هدى لهم، والذين اتقوا غضب الله سبحانه، والذي جعلوا بينهم وبين معاصي الله وقاية وحاجزاً، فامتثلوا الطاعات، وامتنعوا عن الوقوع في المعاصي، وخافوا الله سبحانه، فأمنهم الله يوم القيامة:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}[الدخان:٥١]، وأمين صيغة مبالغة من الأمن، فهم في مكان غاية في الأمن، مأمون عليهم فيه، وأمنهم الله سبحانه يوم الفزع الأكبر، ويوم العيلة، ويوم الذلة، ويوم القيامة، فأمن الله عز وجل عباده المتقين الذين كانوا يخافونه في الدنيا، وكانوا من عذاب ربهم مشفقين.
وقراءة الجمهور:((مَقَامٍ)) من الفعل الثلاثي قام، وقرأها نافع وأبو جعفر وابن عامر:((فِي مُقَامٍ)) من الفعل الرباعي أقام، يقال: أقام مقاماً، فكأن المقام الذي يقومون فيه المكان الذي يشرفون به أمين، والإقامة التي ينزلون فيها أمينة، فهي مكان أمين عند الله سبحانه، والجنة إذا دخلوها لا يخرجون منها أبداً؛ لأن الله جعل لهم الخلود فيها فلا أحد يقدر أن يخرجهم بعد ما قضى الله عز وجل لهم بالخلود في جنته.
قال الله:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ}[الدخان:٥١] أي: في أمن وأمان، وفي شرف، وفي رفعة.