للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الفرق بين قراءة (بشراً) (ونشراً) في المعنى

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الفرقان: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان:٤٨].

يخبرنا الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات وما قبلها عن نعمه العظيمة على عباده، فهو الذي جعل لنا الليل لباساً، والنوم سباتاً، وجعل النهار نشوراً، وهو الذي مد الظل ولو شاء لجعله ساكناً، وهو الذي أرسل الرياح بشراً بين يدي رحمته، فهذه بعض من آيات الله عز وجل التي يراها كل إنسان فيه عقل؛ ليعتبر ويعلم حاجته الماسة لذلك، وكيف أن الله أنعم بهذه النعم العظيمة وغيرها سبحانه وتعالى.

فمن نعمه سبحانه: الظل، وكذلك الضياء والشمس، ومن نعمه سبحانه وتعالى: تقليب الأجواء، بين حر وبرد، وفصول أربعة في السنة، وتقليب الليل والنهار بالزيادة والطول؛ ليجعله راحة ومعاشاً للإنسان، فالإنسان يتقلب في نعم الله سبحانه وتعالى بكل حال.

وهنا يذكر لنا سبحانه وتعالى من نعمه: نعمة الرياح، فيقول: {وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} [الفرقان:٤٨]، ثم قال: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان:٤٨]، فالرياح تسوق السحاب ومن ثم ينزل الماء من السماء للعباد حتى يحيي الله به الأرض الميتة، ويجعل للعباد من هذا الماء رزقاً ومن كل الثمرات.

قال: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا)، فالله يرسل الريح بشارة للعباد، فيستبشرون بما يأتي من الرياح الباردة نسبياً، فيتروحون بها ويستبشرون بعد ذلك بنزول المطر قريباً بإذنه سبحانه، فهي بشرى كما هي قراءة عاصم فقط: (وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِه)، وقرأها نافع، وأبو جعفر، وأبو عمرو، ويعقوب: (نُشُرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِه)، وقرأها ابن عامر: (نُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِه)، وقرأها حمزة والكسائي، وخلف: (نَشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ) فالله يرسل الرياح بشراً ونشراً، فمن قرأها: (نُشُرًا) و (نُشْرًا) و (نَشْرًا)، فهو مأخوذ من النشور، والنشور يأتي بمعنى: القيام، وبمعنى: الإحياء بعد الموت، وبمعنى: البعث، فالله عز وجل يرسل الرياح بشارة ونشراً يبشر العباد بهذه الرياح بقرب نزول المطر من السماء، فهي بشارة من رب العالمين سبحانه، وهي نشر: ينشر الله عز وجل ويحيي بها الأرض بعد موتها، فيرسل الرياح فتأتي بالمطر من السماء، فالله عز وجل يحيي هذه الأرض وينشرها، فالرياح تحرك السحاب، ولو لم يخلق الله عز وجل الرياح لكانت السحاب تخرج مياهها من البحر أو من النهر، فتصعد إلى السماء وتنزل في نفس المكان مرةً ثانية، ولكن من رحمة الله سبحانه أن جعل ماء البحر وماء النهر يتبخران ويرتفعان إلى السماء ثم يرسل عليها الرياح فتتكون السحب وتنقلها إلى حيث يريد الله ويشاء سبحانه وتعالى، فينزل المطر على من يشاء سبحانه رزقهم ويمنعه من يشاء، فإذا نزل الماء جعله نشراً ينشر الله عز وجل ويحيي به الأرض الميتة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>