لقد بدأها الله سبحانه وتعالى بقوله:{سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}[النور:١]، وإن كان القرآن قد نزل من عند الله سبحانه، وكل القرآن قد فرض علينا ربنا سبحانه أن نعمل بما فيه من شرعه سبحانه، لكن اختصت هذه السورة بكونها ذكر فيها أحكام عظيمة يحتاج إليها الناس: من العفاف والستر، فذكر الله عز وجل فيها الأحكام الشرعية في أمر العورات، وأنه ينبغي على الإنسان أن يحفظ عورته ولا يحل له أن يقع في الزنا، فإذا وقع الإنسان في الزنا فهو يستحق الحد الشرعي على ذلك.
وفيها التحذير من مصايد الشيطان ومكايده للإنسان، فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}[النور:٢١]، فالشيطان يدعو الإنسان لأن يقع في الفواحش، ويزين له الفاحشة حتى إذا وقع فيها صار الإنسان في كبيرة من المعاصي إلا أن يتوب الله عز وجل عليه.
وفيها: ذكر الزاني والزانية، وكيف أنه لا يجوز للرجل أن يتزوج بامرأة زانية مشهورة بذلك إلا أن تتوب إلى الله عز وجل، والعكس كذلك، فالمرأة العفيفة لا يجوز لها أن تتزوج برجل عاهر زان مشتهر بذلك، فمن تاب تاب الله عز وجل عليه، وجاز له أن يتزوج من المرأة بعد التوبة، وكذلك المرأة.
وفيها أيضاً: أن الإنسان الذي يقذف غيره بهذه الفاحشة ولم يأتِ بالبينة فإنه يحد، إذ الأصل أن الإنسان لا يتكلم في أعراض الغير، فإذا تكلم فيها فإنه يتكلم بخير أو يسكت، فإذا وقع في أعراض الناس ورماهم بهذه الفاحشة استحق أن يعاقب عقاباً يردعه ويردع أمثاله ممن يتكلمون في ذلك، فيجلد هذا الإنسان ثمانين جلدة على كونه يقذف إنساناً بأنه زنى، أو أنه وقع في هذه الجريمة.
وقد يرمي الرجل امرأته بهذه الجريمة، ويصعب على الرجل أن يأتي بشهود، ويصعب عليه أن يداوم العشرة مع امرأة قد رآها وقعت في هذه الجريمة، لذا أنزل الله عز وجل شريعة في هذا الأمر: بأن الرجل يتلاعن هو وامرأته على ما يأتي تفصيله في هذه السورة الكريمة.
وذكر الله عز وجل فيها أيضاً كيف يتعامل الإنسان مع ربه سبحانه وتعالى، حيث قال:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}[النور:٣٦]، وكيف يواظب على صلته بربه سبحانه وتعالى، وعلى طاعته لله عز وجل التي تكسبه نوراً في قلبه، وزيادة في إيمانه على ما يأتي فيها.
فهذه السورة ذكر الله عز وجل فيها هذه الأحكام وغيرها، وقد كتب عمر رضي الله عنه إلى أهل الكوفة يأمرهم بأن يعلموا نساءهم سورة النور، وكان الصحابة يهتمون بهذه السورة جداً، فيتعلمونها ويعلمونها أزواجهم وأولادهم، فكان عمر يكتب إلى أهل الكوفة: علموا نساءكم -يعني: أزواجكم وبناتكم- سورة النور، وكذلك جاء عن عائشة رضي الله عنها مثل ذلك.