[تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا ذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب:٩].
هذه الآية التاسعة من سورة الأحزاب يذكر الله سبحانه وتعالى فيها سبب تسمية هذه السورة بسورة الأحزاب، يقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الأحزاب:٩]، يذكر المؤمنين بنعمته سبحانه وتعالى عليهم، وما أعظم نعم الله عز وجل على عباده.
{اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} [الأحزاب:٩]، نعمة من نعم الله سبحانه، فمن نعمه سبحانه ما حدث في يوم الأحزاب {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:٩ - ١١]، وكان يوماً فظيعاً على المسلمين لم يكونوا يتوقعونه؛ حتى يعلموا أن النصر بيد الله سبحانه، وأن الإنسان مهما كادت له الدنيا وأراد الله عز وجل شيئاً لا بد أن يكون ما أراده الله سبحانه وتعالى، مصداقاً لما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث لـ ابن عباس: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.
قال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:١٢٦].
ونرى في غزوة الأحزاب نصر الله تبارك وتعالى كيف جاء؟ ومتى جاء؟ وكيف زلزل المؤمنون، وكيف زاغت الأبصار وبلغت القلوب الجناجر؟ فقلب الإنسان في صدره يبلغ الحنجرة، وهذا في غاية الرعب وشدة الخوف؛ إذ يشعر الإنسان أن قلبه سيخرج من فمه مع شدة رعبه وشدة خوفه، فبلغ الأمر بالمؤمنين كذلك، وننظر في هذه القصة العجيبة في غزوة الأحزاب.
هذه الغزوة تسمى بغزوة الأحزاب، تسمى بغزوة الخندق وبني قريظة.
وغزوة الأحزاب هذه كانت في سنة خمس من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وإن اختلف العلماء في زمن وقوعها فقال ابن إسحاق: كانت في شوال من السنة الخامسة وهذا الأرجح، وجاء عن الإمام مالك رحمه الله أنها كانت في سنة أربع للهجرة.
والظاهر أن ذلك بحسب عد السنة الهجرية، فقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في شهر ربيع، فمن اعتبر الهجرة من أول السنة يعد من السنة التي بعدها؛ لأن السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم لا تحسب، بل يحسب بالمحرم من السنة التي تليها، وبناءً عليه تكون غزوة الأحزاب في سنة أربع للهجرة.
ومن يعد السنة التي هاجر النبي صلى الله عليه وسلم فيها فيعتبر أولها من شهر المحرم فتكون غزوة الأحزاب في السنة الخامسة، فعلى ذلك كان الخلاف بينهم، لكن قول الجمهور أن غزوة الأحزاب في السنة الخامسة.
وباقي الغزوات كلها على ذلك، فمن سيقول غزوة بدر في السنة الثانية يكون على اعتبار أن السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم هي الأولى، والسنة التي تليها هي السنة الثانية، والذي سيقول أنها في السنة الأولى فذلك باعتبار أنه لا يحسب الجزء من السنة التي هاجر فيها النبي صلى الله عليه وسلم.