[حكمة الله في ابتلاء المؤمنين يوم الأحزاب]
أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:٩ - ١١].
يذكر الله تبارك وتعالى في هذه الآيات وما بعدها ما كان في غزوة الخندق، حتى إن المؤمنين زلزلوا زلزالاً شديداً، فاضطربت قلوبهم، وحدث لهم خوف شديد فاضطروا إلى عمل الخندق، فحاصرهم الكفار من المشرق ومن المغرب، وكان من ورائهم اليهود، فحدث في النفوس خوف ورعب شديد.
فمن المؤمنين من وصل خوفه إلى بدنه ولم يجاوزه، ومنهم من وصل خوفه إلى قلبه فإذا به يقول كلاماً فيه كفر، كـ معتب بن قشير وغيره من الذين قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه يعدنا كنوز قيصر وكسرى وأحدنا يخاف أن يذهب إلى الخلاء.
كان فضل الله عز وجل على المؤمنين عظيماً، فقد نصرهم الله سبحانه وتعالى نصراً عظيماً لا يتوقعونه، فهم لا يقدرون على قتال هذا العدد الكبير من الكفار، ولكن الله تبارك وتعالى على كل شيء قدير، فقد أرسل الرياح وهي جند من جنود الله سبحانه، وأنزل الملائكة.
والله لا يحتاج إلى ذلك سبحانه {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢].
ولكن ليري المؤمنين أسباب النصر، فقد كان بقدرته تعالى أن يمنع الكفار أصلاً من المجيء إليهم، ولكن الله سبحانه وتعالى له الحكمة في أن يبتلي المؤمنين {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب:١١]، وفي أن يحدث لهم الخوف {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة:١٥٥].
فإذا أصيب المسلم بمصيبة يصبر ويتصبر ويقول: إن لله وإنا إليه راجعون، وينتظر الفرج من الله تبارك وتعالى، فلذلك جعل الله سبحانه هذا بلاءً للمؤمنين وجعله محنة ثم منحة بأن نصرهم وفضلهم تبارك وتعالى.
انتهى أمر الأحزاب بهذه الرياح الشديدة التي هاجت عليهم ولم يقدروا معها على نصب الخيام، ولم يقدروا معها على إيقاد النار، ولم يقدروا معها على عمل الطعام، ولم يقدروا معها على إمساك خيولهم وإمساك ركابهم فإذا بها تضطرب وتميل وتتحرك، ولم يجدوا إلا أن يفروا وعلى رأسهم قائدهم أبي سفيان فإنه ركب جمله ونسي أن يفك قيد يده، فما فكه إلا وهو راكب فوقه، وصاح فيهم: النجاة النجاة، الهرب الهرب! فيهربون بفضل الله تبارك وتعالى.