[تكرار قصة موسى في القرآن بسياق مختلف وبتعبير لا يمل القارئ من إعادة قراءته]
ذكر الله عز وجل قصة موسى في سور متعددة، ففي سورة البقرة ذكر شيئاً منها، وذكر القصة في سورة الأعراف فأطال فيها، وذكر القصة في سورة طه فأطال فيها، وذكرها في سورة القصص، وكذلك في سورة النمل، وفي سورة الشعراء، فالله عز وجل فصل هذه القصة في مواضع من القرآن، وفيها تفنن عظيم، وفيها إعجاز من هذا القرآن العظيم، وهو أن القصة قصة واحدة وفي مواضع كثيرة لا تمل أن تقرأها في أي موضع كان، وفي كل موضع تجد فوائد، وفي كل موضع تجد سياق القصة متوافقاً مع الفواصل التي في السورة، ففي هذه السورة يقول تعالى:{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ}[الصافات:١١٤ - ١١٥] آيات قصيرة ومختومة بشيء معين، هي فواصل السورة، وتجد القصة مسوقة على نفس هذا السياق، فإذا ذكر القصة في سورة طه ذكرها بطريقة معينة، {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}[طه:٩ - ١٢] فترى فواصل الآيات كلها مشابهة بعضها لبعض، وتجد السياق والوزن وتسمع الصوت الموسيقي في الآية موافقة لهذه السورة، وللقصة التي في هذه السورة وهذا تفنن عظيم جداً، فلو قلت لإنسان: اذكر لنا قصة كاتب عظيم بارع واكتب لي قصته ثلاث مرات بسياقات مختلفة، فإذا كتبها مرة ثانية تمل من قراءة ذلك، ولا يقدر هو على أن يأتي بمثل ما جاء به كتاب الله عز وجل، وهذا شيء من إعجاز القرآن العظيم وهو: أن القصة تساق في مواضع كثيرة، ويذكر هنا أشياء لا يذكرها هنا، ويذكر هنا أشياء هي موجودة هنا، ولكن يزيد فيها شيئاً يكون حسناً في هذا الموضع، مع الموافقة للتلاوة، إذ السورة نفسها تمشي مع الوزن كله، وأذنك تسمع ولا تمل من السماع، كذلك الحس لهذه الآيات، وموسيقى كل آية وأنت تسمعها هي نغمة واحدة، ولا تنافر بين قصة وقصة في كتاب الله سبحانه وتعالى وفي السورة نفسها، ففي سورة الصافات الفواصل كلها قصيرة والآيات قصيرة والختم فيها الغالب بالنون، أو بالوزن على: هارون، الغالبين، المستبين، المستقيم، فالوزن على ذلك، فتسمع السورة وفيها جمال عظيم عند سماعها، وهناك جمال في فهمها وفي معانيها ومبانيها وفصاحتها وبلاغتها وفي سرد القصة نفسها والتشويق الذي فيها، هذا كلام الله عز وجل لا يمل منه سامع ولا يمل منه جليس.