[تفسير قوله تعالى: (وخلقنا لهم من مثله ما يركبون)]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
قال الله عز وجل في سورة يس: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ * وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنقَذُونَ * إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ * فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلا إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} [يس:٤١ - ٥٠].
في هذه الآيات من سورة يس يخبرنا الله سبحانه وتعالى عن آياته العظيمة التي يراها الناس في الدنيا ولا يؤمن بها إلا المؤمنون المتقون، ومن تلك الآيات: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [يس:٤١]، ذكرنا أن الذرية تطلق على الآباء والأبناء والرجال والنساء، وإن كان الغالب في قوله الذرية أنها تطلق على الأبناء، وفي هذه الآية المقصود بهم ذرية آدم ممن ذرأ الله عز وجل وبث ونشر من نفس آدم على نبينا وعليه الصلاة والسلام.
(في الفلك المشحون)، يعني: أيام نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، حملنا من ذرية آدم من آباء هؤلاء في سفينة نوح، والفلك هو السفينة.
{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [يس:٤٢] الله سبحانه خلق العباد وما يفعلون، وعلم نوحاً كيف يأخذ الأشجار ويقطعها ويصنع منها سفينة عظيمة تحمل هذا الكم من المخلوقات التي كانت في عهده عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.
قوله: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [يس:٤٢] فيها الإشارة إلى أن الله عز وجل يوفق الإنسان لصنع أشياء ليست على باله، فكانوا في الماضي يركبون الإبل والسفن، وخلق لهم من مثل هذه السفن ما يركبون من سيارات وطائرات وصواريخ ومركبات فضائية وأشياء يركبونها في البر والبحر والجو، فخلق الله عز وجل من مثل ذلك ما يركبه الإنسان في كل زمان ومكان.
روى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (سيكون في أمتي رجال يركبون على السرج كأشباه الرحال، ينزلون على أبواب المساجد، نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن فإنهن ملعونات، لو كانت ورائكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمكم نساء الأمم قبلكم).
هذا الحديث العجيب عن النبي صلى الله عليه وسلم -وهو حديث صحيح- فيه إشارة إلى ما ذكرنا من أن الله عز وجل يوفق الخلق لصنع أشياء ليست على بالهم، فخلق لهم الله سبحانه ما شاء من الإبل والخيل والبغال والحمير ويخلق ما لا تعلمون، لو ذكر لهم في الماضي أنه سيخلق لكم طائرات ما عرفوها، فالله عز وجل لا يكلمهم عن أشياء لا يقدرون أن يفكروا فيها، ولكن قال يخلق لهم من مثله ما يركبون، كما أنه أعانكم فصنعتم هذه السفن التي تركبونها في البحر، كذلك يخلق ما لا تعلمون سبحانه، ويخلق لكم من مثله ما تركبون.
قوله صلى الله عليه وسلم: (سيكون في أمتي رجال يركبون على السرج كأشباه الرحال) الرحل: شيء يوضع على الجمل ليوضع عليه كرسي فوق الجمل يركب عليه الإنسان، فيكون ذلك في زمن من الأزمان يظهر فيه العري مثل زماننا هذا وليس أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فما كان هناك عري ولا متبرجات ولا كاسيات عاريات، وفي هذا الزمن ظهر ما يركب الناس من سيارات وقطارات، وفي هذا الحديث تحقق ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، فما يركبونه كأشباه الرحال، يعني: ما يجلس عليه كأشباه هذا الرحل الذي تضعه فوق الجمل، فكأنه يشير للسيارات فهي مسرجة.
هؤلاء ينزلون على أبواب المساجد للصلاة ويرى نساؤهم كاسيات عاريات على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف، تخيل جنازة جاءت إلى المسجد فينزل البعض للصلاة على الجنازة، والأغلب في السيارات يشاهدون النساء اللاتي في السيارات وهن متبرجات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه المرأة المتبرجة: (نساءهم كاسيات عاريات)، يعني: لابسات وكأنهن غير لابسات، مثل اللبس الذي يصف ما تحته، والثياب اللصيقة بجسدها وتحسر عن شعرها وتعري بدنها، قال صلى الله عليه وسلم: (على رءوسهن كأسنمة البخت العجاف) يعني: شعرها فوق رأسها عالٍ، وكما يصنع عند الكوافير فيجعل رأسها مثل القبة التي تشبه سنام الجمل.
(العنوهن فإنهن ملعونات)، لعنهن النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بلعنهن.
(لو كانت أمة من الأمم) يعني: لو أن الله عز وجل سيجعل أمة أخرى، وهذا ما لا يكون فإن آخر أمة من الأمم هي أمة الإسلام وعليها تقوم الساعة، لكن لو وجدت أمة أخرى بعدنا لجعل الله عز وجل هؤلاء خادمات عند الأمم الآتية كما جعل نساء بني إسرائيل خادمات عند الأمم التي تليها بسبب تبطرهن على نعمة الله سبحانه، وكفرهن بالله سبحانه وتعالى، قال: (لو كانت وراءكم أمة من الأمم لخدمن نساؤكم نساءهم كما يخدمكم نساء الأمم قبلكم).
هذا الحديث العجيب الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم يبين فيه أشياء من معجزاته صلى الله عليه وسلم، يخبر بالشيء فيكون، أخبر صلى الله عليه وسلم أنه سيركب الناس على أشياء كأمثال الرحال ولكن ما هي رحال، فصنعوا السيارات وركبوا القطارات، قال الله سبحانه: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [يس:٤٢].
{وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلا صَرِيخَ لَهُمْ وَلا هُمْ يُنقَذُونَ} [يس:٤٣]، لو أردنا ولكن لأجل رحمة الله لم يصنع بهم ذلك.
قال: {إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا} [يس:٤٤] ليس أبدياً، ولكن ((إِلَى حِينٍ)) نمتعهم إلى حين حتى يأتي عليهم أجلهم فينظرون كيف نصنع بهم.