[تفسير قوله تعالى:(يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)]
قال الله عز وجل:{يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}[غافر:١٩]، خائنة الأعين أي: العين الخائنة، فالإنسان قد يخون بعينه، وقد يمشي ويراه الناظر أنه غاض البصر، ولكن إذا لم ير أحداً ينظر إليه نظر إلى ما حرم الله عز وجل، فهذه هي النظرة الخائنة التي يختلسها الإنسان إلى شيء حرمه الله سبحانه وتعالى، وكأن يغمز إنسان لآخر بعينه أن يفعل أي شيء فهذا لا يجوز.
وقد جاء في الحديث أنه لما جيء بـ عبد الله بن أبي السرح إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد فعل أشياء في كفره، ثم أسلم، ثم ارتد عن الإسلام، ونافق، وآذى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فجاء به عثمان رضي الله عنه ليشفع فيه يوم فتح مكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنه، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم استكثر ما صنعه هذا الرجل في كفره، وفي ردته، وفي نفاقه، فأبى أن يقبل منه صلى الله عليه وسلم وسكت، ولم يعطه عهداً ولا أماناً، ومن أدب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم معه أن مكثوا ينتظرون ماذا سيقول فيه، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فأطال سكوته، وفي النهاية أمنه صلوات الله وسلامه عليه، ثم قال لأصحابه بعد ذلك:(أما كان منكم من رجل رشيد يقوم لهذا فيضرب عنقه؟) أي: هذا الرجل الذي آذى الله ورسوله، الذي ارتد عن الإسلام، وآذى المسلمين، وقد رفضت أن أعطيه أماناً، أما كان منكم رجل رشيد يقوم إليه فيقطع رقبته؟ فقالوا: هلا أشرت لنا؟ أي: لو غمزت لنا بعينك لكنا قتلناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين) فلا يليق بنبي أن يغمز لأحد ليعمل شيئاً من وراء آخر.
فالمقصود: أن الله عز وجل يعلم خائنة العين، وما يكون من تلصص وتجسس وتحسس، وما يكون منها من نظر إلى ما حرم الله سبحانه وتعالى من غير أن يدري الناس، وما يكون منها من إشارة وغمز إلى إنسان بتهكم أو بسخرية، أو بغير ذلك.
وقوله:(وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) أي: ما يكنه الإنسان في صدره من نية سوء أو غيرها.