للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[رد الله على أيوب أهله بعد كشف ضره]

قال تعالى: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ} [الأنبياء:٨٤]، أي: فكشفنا كل ما به من ضر، ولم نترك منه شيئاً.

قال تعالى: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [الأنبياء:٨٤]، أي: بعد أن أخذهم منه، وكأن الله عز وجل أخذ أولاده الثلاثة والعشرين كما ذكر ابن عباس، ثم ردهم عليه ربه سبحانه، فقيل: ردهم بعدما أماتهم، فأحياهم له، وقيل: إنه أعطاه أجرهم وأعطاه بدلاً منهم، ولعله يكون كذلك، ولم يذكر لنا سبحانه وتعالى الأمر، ولكن الله على كل شيء قدير، فهو قادر على إحيائهم له بعد موتهم، كما ذكر لنا في بني إسرائيل: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ} [البقرة:٢٤٣] أي: أنهم وجدوا الطاعون ينزل في الناس، فخافوا وهربوا لعلهم ينجون من الطاعون.

فلما هربوا وخرجوا قال لهم الله عز وجل: موتوا! فماتوا جميعهم، ثم أحياهم بعد ذلك، والله على كل شيء قدير.

فقد يفعل ذلك آية، فيميت الإنسان قبل أجله ثم يبعثه لأجله المعلوم عند الله عز وجل، وقد يكون إحياء الله لأولاد أيوب من هذا الباب؛ لأن الله عز وجل قال: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} [الأنبياء:٨٤].

ولعل المعنى: آتيناه أجر أهله، أي: صبره على أهله، فيكون بتقدير محذوف هنا: وأعطيناه في الدنيا مثلهم، ويوم القيامة يجد الجميع في جنة الخلد معه.

ومما جاء أن إبليس ذهب إليه ليوسوس إليه فما قدر عليه، فسأل الله عز وجل أن يسلطه عليه فأراد الله أن يري الملائكة والخلق كيف يصبر هذا الإنسان فابتلاه، وقد قال في سورة ص: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص:٤١] وكأنه يذكر أن الشر من الشيطان تسلط عليه، أو أنت سلطت علي هذا الشيطان ففعل بي ما فعل وابتلاني في أصدقائي فوسوس لهم فأساءوا الظن في، وابتلاني في امرأتي فأنا أسأت الظن فيها، فمسني الشيطان بنصب وعذاب.

فقال الله عز وجل: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص:٤٢] والركض: الضرب بالرجل، ومنه ركض فرسه، يعني: ركب عليه وضرب برجليه على جنبيه حتى يجري، فهنا قال: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} [ص:٤٢] أي: على الأرض، فنبعت له عين ماء من الأرض فاغتسل منها وشرب فأبرأه الله تبارك وتعالى فصار أحسن مما كان.

قال تعالى: {فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا} [الأنبياء:٨٤].

هنا ذكر رحمة من عندنا، وقال في ص: {رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُوْلِي الأَلْبَابِ} [ص:٤٣].

وهنا قال تعالى: {رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء:٨٤] أي: تذكرة للعابدين، أي: لكل العباد الذين يعبدون الله سبحانه، ويعلمون أن الله يبتلي العبد بالخير وبالضر، كما قال تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:٣٥].

فالله عز وجل يبتلي عبده بما يشاء، فإذا أعطاه المال فهذا بلاء من الله عز وجل فليحمد ربه سبحانه، وليؤد الحقوق التي أمر بأدائها، وإذا ابتلاه الله عز وجل بالمرض فليعلم أن هذا من عند الله ولا يكشفه إلا الله سبحانه، وليدع بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء: (أذهب البأس رب الناس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاءك، شفاءً لا يغادر سقماً).

<<  <  ج:
ص:  >  >>