قال تعالى:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ}[فصلت:١٦] أي: لها صرير، بمعنى: صوت عال مزعج، ولها صرص أي: برد قاس شديد، فهي ريح هبوب تهب على هؤلاء هباً شديداً حتى اقتلعتهم كالنخل على الأرض من طول أجسامهم، وقوة أبدانهم، فاقتلعتهم هذه الرياح، وجاءتهم من حيث يظنون أنه يأتيهم الأمن ويأتيهم الرزق من السماء، فقد قالوا: نريد هذه السحابة، وهم لا يعلمون أنها سحابة لن تأتي بالمطر، بل ستأتي بصاعقة من السماء، فقد سمعوا صوتاً فظيعاً من السحابة التي في السماء وإذا بالرياح تهب عليهم، وإذا بشدة البرد تهلكهم، وإذا بالله تعالى يقتلعهم وينكسهم على رءوسهم، قال سبحانه:{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}[فصلت:١٦]، وفيها قراءتان: قراءة نافع وابن كثير وأبي عامر: {أَيَّامٍ نَحْسَاتٍ}[فصلت:١٦]، بالتسكين للحاء، وقراءة باقي القراء:{فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ}، وكأن الأصل فيها: أنها أيام نحس وشؤم، فجمعت على المصدر (نحْسات) بالتسكين، أو على أنها وصف فهي نحِسة، أي: أيام مشئومة، فجمعها (نحِسات)، وكأنها شؤم على هؤلاء بسبب تكذيبهم وإعراضهم عن ربهم سبحانه.
وقد بين لنا سبحانه عدد هذه الأيام فقال:{ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}[الحاقة:٧]، جاءهم فيها العذاب ليل نهار، قال تعالى:{سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}[الحاقة:٧]، تأديباً وتعذيباً لهؤلاء وموعظة لغيرهم، قال:{لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ}[فصلت:١٦]، فقد أخزاهم الله سبحانه وأذلهم، وأهانهم وحقرهم، وجعل رءوسهم بعد أن كانت منتصبة القامات كأعجاز نخل خاوية، في:{سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ}[الحاقة:٧]، فجعلهم الله عز وجل فيها كأعجاز نخل خاوية.
ثم قال سبحانه:{لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[فصلت:١٦]، وليس هذا العذاب فقط، بل ولعذاب الآخرة أشد وأخزى على هؤلاء، قال:{وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَخْزَى}[فصلت:١٦]، فالخزي الحقيقي والإهانة يكونان يوم القيامة في الآخرة أشد بكثير مما تعرضوا له في الدنيا، قال:{وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ}[فصلت:١٦] أي: في الدنيا ولا في الآخرة، فلم ينصرهم أحد من عذاب الله، ويوم القيامة لا ينجيهم أحد من عذاب الله، ولا يدفع عنهم أحد عذاب الله سبحانه وتعالى.