للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وجوب التحاكم إلى شرع الله عز وجل عند الاختلاف]

يقول الله سبحانه وتعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:١٠] إذا اختلفتم في شيء بعضكم مع بعض، أو أنتم مع الكفار فردوا الحكم إلى الله سبحانه، واحذروا أن تطيعوا الكفار؛ لأنكم إذا أطعتموهم فالنار مثواكم.

قال تعالى: (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)، أي: الله المتفرد بأن يعبد وحده لا شريك له، وهو الرب المتفرد بالخلق سبحانه وتعالى، فمن خلق فهو الذي يستحق أن يعبد وهو الذي يستحق أن يشرع، فإذا اختلفت مع أحد في شيء فتحاكموا إلى دين الله عز وجل لا إلى الناس، فالناس يظلم بعضهم بعضاً، ويتطاول بعضهم على بعض، وربنا سبحانه يذكرنا بشيء في طبائع نفوس الناس فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} [النساء:١٣٥]، قوله: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ)، أي: قم لله سبحانه وتعالى في أمرك في دينك ودنياك بالعدل، كن عادلاً مع المسلمين ومع الكفار، اعدل مع الخلق جميعهم.

قوله: (شُهَدَاءَ لِلَّهِ) أي: أقيموا الشهادة ابتغاء وجه الله حتى ولو كانت على أنفسكم، ولو كانت على الوالدين، ولو كانت على الأقربين، اشهد بالحق ولا تجامل أحداً، ولا تكتموا الشهادة؛ فالله هو العليم بالنفوس، يقول: ((إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا)) أي: الذي ينحرف في الشهادة إما لأن هذا غني ينتفع منه، فيقول: فلان غني سيعطيني كذا لو لم أشهد، وسيعطيني كذا لو شهدت معه، أو يقول: فلان هذا مسكين وفقير فلن أشهد عليه لئلا يؤذوه.

فيقول الله عز وجل: إن كان غنياً وأنت تريد نفعاً من ورائه أو تخاف سطوته، أو كان فقيراً وأنت ترحمه فالله أولى بهما سبحانه وتعالى، والله رحيم بعباده، وهو الذي أمرك بذلك أن تشهد، هذا الدين هو الذي يجردك عن النظر لفلان لكونه فلاناً ولعلان لكونه كذا، ويجعلك تنظر إلى الله فقط سبحانه وتعالى، فهو يراقبك وهو أولى بخلقه سبحانه وتعالى.

إذاً: المسلم الحق لا يخاف في الله لومة لائم، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وينصح متجرداً ومخلصاً لله سبحانه وتعالى، هذا دين الله سبحانه وتعالى، الذي يقول لنا في كتابه العظيم: (فَحُكْمُهُ إِلَى الله)، أي: حكم كل أمر مرده إلى الله سبحانه، (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ)، أي: توكلت على الله، ووكلت أمري وفوضت أمري إلى الله سبحانه وتعالى، لا أقدر على القيام بأمري؛ لأني أضعف عن ذلك، فأكل الأمر إلى الله سبحانه، فترجو من الله أن يعينك، وأن ينصرك، ولا تقل: أنا أستطيع، أنا سأعمل كذا وأفعل كذا، فأنت لا تقدر إلا أن يعينك الله، هذا معنى التوكل، أن تتوكل على الله وترجو منه الإعانة وتأخذ بالأسباب، ولا تنسب الفضل لنفسك، فليس لك فضل، فالإنسان الذي يذهب إلى عمله، من الذي أيقظك من منامك، وجعلك تقول: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور؟ إنه الله الذي أحياك سبحانه وتعالى، وهو الذي رد عليك سمعك وبصرك، وهو الذي وجهك بعقلك أن تتوجه إلى شغلك فلا تضل السبيل، والله سبحانه وتعالى هو الذي مكن يديك ورجليك في العمل أن تعمل وتنتج، والله سبحانه وتعالى هو الذي جعل عملك جيداً حيث أعانك عليه، وأنت عندما تنسب الفضل لنفسك وتقول: هذا بجهدي وبتعبي، وهو الذي وفقك سبحانه وتعالى، ألا تنسب الفضل لصاحبه، فتقول: الحمد لله الذي وفقني، وإنما أنا سبب من الأسباب، والله عز وجل هو الذي يدبر الأمر.

قوله: (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)، أي: أرجع إليه وأتوب إليه سبحانه؛ لأن مرجعي إليه في الدنيا وفي الآخرة، في الدنيا أرجع إليه تائباً، وفي الآخرة مرجعي إليه ليحاسبني سبحانه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>