[تفسير قوله تعالى: (واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق)]
قال الله تعالى: {وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الجاثية:٥] كذلك قوله: ((آيات)) قراءة الجمهور بالضم، وقرأها حمزة والكسائي ويعقوب: ((آياتٍ)) بالكسر.
أي: اختلاف الليل والنهار من آيات الله، فالليل يأتي في وقته والنهار يأتي في وقته، يزيد هذا وينقص هذا، واليوم أربعة وعشرون ساعة، يزيد الله عز وجل في الليل ما يشاء وينقص من النهار بقدره، ويزيد في النهار ما يشاء، وينقص من الليل بقدره، تتعاقب عليكم فصول العام هذا شتاء وهذا صيف وهذا خريف وهذا ربيع، في كل سنة أربعة فصول تتكرر على العباد، الليل هو الليل والنهار هو النهار يزيد الله ما يشاء ويقلل وينقص فيما يشاء، ويجعل لنا ذلك آية من الآيات.
إذاً: الإنسان يتفكر كيف أن هذا الليل يطول ويقصر وهذا النهار كذلك، وهذا الليل أسود بهيم وهذا النهار مشرق مضيء، وهذا الليل يكون بارداً وهذا النهار يكون حاراً، وهذا فيه كذا وهذا فيه كذا، آيات من آيات الله عز وجل، فمن آياته أن جعل لكم الليل نوماً وسباتاً وسكناً، وجعل النهار لكم معاشاً وحياة ورحمة ورزقاً، كل هذا من آيات الله سبحانه وتعالى.
قوله: ((وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ)) أي: ما أنزله لكم من المطر من السماء فيكون سبباً لأرزاقكم، يحيي به الأرض بعد موتها، ويغيثكم الله عز وجل ويحييكم به سبحانه وتعالى.
وخلق كل دابة من ماء، فأنزل الماء من السماء ليحيي به العباد.
قوله: ((فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)) أي: كانت يابسة جامدة فنزل عليها الماء و {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [الحج:٥] ثم قال: ((وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) أي: أن الله تعالى صرف الرياح وأرسل هذه شمالاً وهذه جنوباً وهذه شرقاً وهذه غرباً، ويسوق بها السحاب، ويحمل بها ما يشاء ويلقح بها الأشجار، ويخرج لكم ما يشاء سبحانه من خلقه، وهذه الرياح يجعلها عقيماً على قوم ويجعلها مرسلة بالرحمة على قوم آخرين، ويجعلها عذاباً على قوم ويجعلها رحمة لآخرين.
قوله: ((الرِّيَاحِ)) قرأها الجمهور بالجمع، وقرأ حمزة والكسائي وخلف بالإفراد: ((الريح)).
إذاً: الله سبحانه وتعالى يصرف الرياح ويرسلها بما يشاء، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا هاجت الريح ورأى في السماء سحابات سوداء فزع صلى الله عليه وسلم، تقول السيدة عائشة: (كان يدخل ويخرج ويتغير وجهه صلى الله عليه وسلم فإذا أمطرت السماء سري عنه صلوات الله وسلامه عليه، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك: أنه إذا رأى الرياح هاجت وإذا رأى سحابات السماء سوداء يتغير صلوات الله وسلامه عليه، فقال: وما يؤمنني يا عائشة؟ قد رأى قوم الريح فقالوا: {هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا} [الأحقاف:٢٤] فكانت عذاباً من الله عز وجل عليهم)، وهم قوم عاد.
فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أمطرت السماء سري عنه عليه الصلاة والسلام.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا هاجت الريح يسأل الله من خيرها ويتعوذ بالله من شرها.
قال سبحانه في هذه الآيات: ((آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)) أي: يفهمون ويتدبرون ويعقلون عن الله عز وجل ما يقوله لهم.