ذكر الله شهادة الزور بعد الرجس من الأوثان وبين أن شهادة الزور شيء فاحش، فذكره هنا وكأن شهادة الزور، عدلت الشرك بالله سبحانه فذكرت معه، وشاهد الزور لا يقال: إنه مشرك وخارج من الدين، ولكن إثمه عظيم جداً، والإنسان الذي يشهد الزور يكون الضرر منه، ليس على نفسه فقط، ولكن يكون ضرره على الإنسان المظلوم الذي شهد عليه زوراً وظلماً، وهذا الإنسان المظلوم قد يقام عليه الحد ظلماً وزوراً، أو يؤخذ ماله، أو يسفك دمه ظلماً وزوراً، فضرر شاهد الزور متعدٍ، ويراه الناس وكأنه يشهد بحق أمام القاضي، وأنه عدل، فيحكم القاضي بما يقول هذا الشاهد، فيضر الآخرين.
ولذلك لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شهادة الزور، وهو يتكلم عن أكبر الكبائر، قال:(ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قالوا: بلى.
يا رسول الله! قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس) صلى الله عليه وسلم، لما وصل عند ذكر شاهد الزور، وكان متكئاً فجلس، وكأنه لما استحضر حال شاهد الزور غضب (وقال: ألا وقول الزور، ألا وشهادة الزور)، كررها ثلاث مرات صلوات الله وسلامه عليه، فغضب حين استحضر كيف يفعل هذا الإنسان، فيري الناس أنه صادق وحقيقته أنه كذاب، يضر إنساناً مظلوماً، ويضيع عليه حقه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور، ألا وقول الزور وشهادة الزور)، قال الصحابي راوي الحديث:(فما زال يقولها -يعني: يكرر هذه الكلمة- حتى قلنا: ليته سكت) يعني: أشفقوا على النبي صلى الله عليه وسلم من شدة غضبه حين تذكر شاهد الزور، فتمنوا لو أنه اكتفى بذلك وسكت؛ وذلك منهم شفقة على النبي صلوات الله وسلامه عليه.