تفسير قوله تعالى:(فأرسلنا فيهم رسولاً منهم أن اعبدوا الله)
قال الله تعالى:{فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ}[المؤمنون:٣٢] أي: أرسل إلى عاد أخاهم هوداً، وهو منهم عليه الصلاة والسلام، قال تعالى:{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا}[الأعراف:٦٥] وقال هنا: ((فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ)) أي: من البشر ومن هؤلاء القوم، دعاهم بدعوة نوح ودعوة النبيين جميعهم عليهم الصلاة والسلام: أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، فهو دعاهم إلى التوحيد إلى قول: لا إله إلا الله، وإلى عبادة الله سبحانه وتعالى وحده، والتخلي عن عبادة من سواه، فقال لهم:((اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) أي: ليس لكم إله يستحق أن يعبد إلا إله واحد سبحانه وتعالى، فهو الذي أنشأكم وخلقكم ورزقكم، ولذلك دلهم على النعم التي هم فيها، فقال لهم: إن الله عز وجل قد أعطاكم نعماً عظيمة ومنها قوله لهم: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ}[الشعراء:١٢٨ - ١٣٠]، وقال الله عنهم في سورة الفجر:{إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ}[الفجر:٧ - ٨]، فكانوا قبيلة في غاية الطول وضخامة الأجسام والقوة والنعم التي أترفوا فيها، حتى إنهم صيروا هذه النعم للعب والتلهي، فكانوا يبنون المساكن العظيمة الواسعة الشاسعة التي قد لا يسكنونها، ويتخذون مصانع من المياه يجمعون فيها الماء لعلهم يخلدون ويعيشون أبد الآبدين، فرسولهم عليه الصلاة والسلام دعاهم إلى الله سبحانه وحذرهم من الكفر، وحذرهم من الإشراك بالله، ومن كفر نعم الله سبحانه، وأن يصيروا هذه النعمة نقمة عليهم، فحذرهم من غضب الله سبحانه وتعالى، لكنهم كانوا قساة القلوب بعيدين عن ذكر الله سبحانه وعن عبادته، وكانوا إذا بطشوا بغيرهم من الأقوام كانوا جبارين في غاية القسوة لا رحمة عندهم، فحذرهم نبيهم عليه الصلاة والسلام من ذلك فأبوا ذلك.
قال الله سبحانه وتعالى:{فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[المؤمنون:٣٢].
قوله:((أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ)) يقرؤها بالكسر أبو عمرو ويعقوب وعاصم وحمزة، أما باقي القراء فيقرءونها:(أنْ اعُبدوا الله).
كذلك ((مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) قراءة الجمهور: ((مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) باعتبار المعنى، وأصلها:(ما لكم) أي: ليس لكم إله غيره سبحانه وتعالى، فكأن الأصل الضم فهذا وصف للمضموم أو للمرفوع، فقرأها الجمهور:((مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)) وراعى اللفظ الكسائي وأبو جعفر وقالا: إنه وصف للمجرور، فوصف المجرور مجرور مثله، فقرآها:(ما لكم من إله غيرِهِ).
قوله:((أَفَلا تَتَّقُونَ)) أي: هلا اتقيتم الله سبحانه وتعالى؟ فهو يحثهم ويحضهم على عبادة الله سبحانه وعلى تقوى الله، وأن يحذروا من أن يغضبوا ربهم سبحانه، فقال لهم:((أَفَلا تَتَّقُونَ)) أي: أفلا تجعلون من أعمالكم الصالحة وقاية لكم من عذاب الله ومن غضبه؟ فالتقوى: هي أن تقي نفسك غضب الله وعذاب الله، وأن تجعل وقاية وحاجزاً وستراً بينك وبين عقوبة رب العالمين سبحانه، فهؤلاء القوم لم يتقوا الله سبحانه، وإنما كذبوا كما كذب الكفرة من قبلهم.