[تفسير قوله تعالى: (من ورائهم جهنم)]
قال الله تعالى: ((مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ)) الوراء: الغيب، يعني: الذي يغيب عن الإنسان حتى وإن كان أمامه ((مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ)) فتأتي كلمة وراء بمعنى: خلف، وبمعنى: ما غاب عنك وهو أمامك، فهنا المعنى: من قدامهم، يعني: سيقدمون على جهنم؛ ولكونها غيباً لا يرونها فهي من وراء الغيوب، ومن وراء ما لا يرونه، فجهنم من ورائهم.
ومنه: قول الله عز وجل في سورة الكهف عن أصحاب السفينة: {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف:٧٩] فهو لا يجري وراءهم، بل هو أمامهم، يعني: سيقدمون على الشط في الجهة الثانية فإذا وصلوا فإنهم سيجدون ملكاً يأخذ منهم هذه السفينة، فلما كانوا لا يرون هذا الملك ولم يعرفوا ما الذي ينتظرهم، فكأن وراءهم شيء مغيب عنهم.
فقوله تعالى: ((وَكَانَ وَرَاءَهُمْ)) [الكهف:٧٩] أي: قدامهم، ولكن لا يرون ولا يعرفون، فأرسل الله عز وجل الخضر حتى يأخذ لوحاً من السفينة فتظهر أنها فاسدة معطلة، فإذا وصلوا يكون قد دخلها قليلاً من الماء، فيتركها الملك؛ لأنها لا تصلح أن تكون من أسطوله، وبقيت لهؤلاء المساكين.
فكلمة وراء تأتي بمعنى: خلف لما غاب عنك وهو وراؤك، وتأتي بمعنى ما هو أمامك، ولكنك لا تراه، فهو غيب مغيب عنك، فكذلك: ((مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ)) أي: سيقدمون عليها أمامهم بعد أن يموتوا، وسيرون هذا العذاب في نار جهنم المستعرة.
وقال تعالى: ((وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ)) أي: ولا يغني عنهم ما كسبوا من الله شيئاً، ولا يوجد يوم القيامة فداء ولا دفع إلا الحسنات والسيئات، والجزاء بما عمل الإنسان يوم القيامة، ولا يغني عنهم كل ما كسبوه في الدنيا.
هذا لو فرض أنه معهم، ولكن يوم القيامة ليس مع الإنسان شيء، فهذا الذي كسبوه لو قدموه كله وهو معهم لا يغني عنهم ولو شيئاً يسيراً من عذاب الله سبحانه.
وقوله تعالى: ((وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ)) أي: ولا يغني عنهم شيئاً هؤلاء الذين اتخذوهم من دون الله أولياء، والولي: القريب والحميم والناصر والمدافع، فكل من اتخذوهم في الدنيا أحزاباً تدافع عنهم وتناصرهم لا تغني عنهم يوم القيامة، وكل من عبدوه من دون الله سبحانه تبارك وتعالى لا يغني عنهم من دون الله شيئاً.
وقوله تعالى: ((مِنْ دُونِ اللَّهِ)) أي: كل ما هو غير الله من أوثان وأصنام وتماثيل، فكل ما عبد من دون الله لا يغني عن أصحابه شيئاً من الله.
قال تعالى: ((وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) أي: لهم أشد العذاب، وانظر للتنوع، (لهم عذاب أليم)، (لهم عذاب مهين)، (لهم عذاب عظيم) بسبب شناعة الذي صنعوه، فاستحقوا كل هذه الأنواع من العذاب.