[إنزال المطر رحمة من الله ومتعلق بمشيئته سبحانه]
قال تعالى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} [الروم:٢٤] أي: المطر.
قوله: (وَيُنَزِّلُ) هذه قراءة جمهور القراء، ويقرؤها ابن كثير والبصريان: أبو عمرو ويعقوب: (وَيُنْزِلُ من السماء ماء فيحيي به الأرض بعد موتها).
فالماء الذي ينزل من السماء رحمة من الله عظيمة واسعة، فمن رحمته سبحانه وتعالى أن أنزل ماءً من السماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام، أنزل المطر من السماء ليثبت أقدام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم بدر في لقائهم مع المشركين، وأذهب عن قلوبهم رجز الشيطان، وما ألقاه الشيطان من تخويف لهم، وقد نام بعضهم بالليل فاحتلم وأصبح يريد الجهاد في سبيل الله سبحانه، وإذا بالشيطان يوسوس له، كيف تجاهد وأنت على جنابة؟ فإذا بعقله يتفكر كيف كيف؟ فإذا بالله يقطع عنه ذلك الوسواس، وينزل من السماء ماءً فيغتسلون ويصلون ويعرفون فضل الله ورحمته في إنزال الماء من السماء.
ينزل الله الماء من السماء رحمة بعباده، لينبت لكم به من كل الزروع والثمار، ويخرج لكم من هذه الأرض الميتة غذاءً تتفكهون به وتقتاتون عليه، رحمة من رب العالمين سبحانه.
حين يتفكر الإنسان أن الأرض فيها الماء المالح وفيها الماء العذب وفيها الماء النظيف وفيها الماء الرديء، ومن هذا الماء يتبخر هذا الماء بفضل الله سبحانه وتعالى، ويصعد لدرجات معينة يتكثف فيها هذا الماء بعضه على بعض، ثم ينزل عليكم مطراً.
وهذا الماء الذي طلع من هذه البحار، وتكثف حتى صار سحاباً، يرسل الله الرياح ليجري هذا السحاب، وهذه الرياح مأمورة بأمر الله سبحانه وتعالى بأن تذهب به إلى الأرض الفلانية، التي يريد الله عز وجل أن تمطر فيها هذه السحب، رحمة من رب العالمين سبحانه.
فالناس ينتظرون فضل الله وإذا بالله ينشئ السحاب ويوجهه إلى حيث يشاء وينزله على الناس.
كذلك هذا الماء الذي قد يكون متبخراً من المجاري، وصعد إلى السماء فإنه لا يصعد بالقذر الذي فيه والنتن الذي فيه؛ لأن الله سبحانه وتعالى ينقيه، فلا يتبخر إلا الماء الطاهر، أما ما فيه من نجاسة، فإنه لا يصعد إلى السماء، إلا أن يشاء الله شيئاً سبحانه، وإذا بهذا الماء الطاهر يتوجه حيث يوجهه الله سبحانه، وينزل على المكان الذي يريده الله سبحانه! آية من آيات الله سبحانه، وإنزال هذا المطر ليس للإنسان دخل فيه ولا شأن فيه، ولكن الله سبحانه هو الذي ينشئ هذا السحاب، وهو الذي يرسل والذي ينزل من السماء ماءً ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان، وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام، وليريكم من آياته ومن فضله ومن رحمته سبحانه وتعالى.
ثم قال: ((فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا)) فإذا نظرت إلى أهل الصحراء حين ينتظرون نزول المطر من السماء، فإذا نزل الماء هللوا وفرحوا وكبروا؛ لأن رحمة ربنا نزلت على العباد، فينبت لهم أرضاً كانت قاحلة ومجدبة لا زرع فيها، فإذا بالله ينزل المطر وسرعان ما يخرج النبات على وجه الأرض، وتخضر الأرض بفضل الله وبرحمته {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم:٢٤].
فالذي يعقل ويتفكر في هذه الآيات يعلم أن الله سبحانه الملك الحق، وهو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له.