[تفسير قوله تعالى:(وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم)]
قال تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا}[لقمان:١٥] فقد أوصى الله عز وجل الابن أن يكون رحيماً بوالديه، وأن يكون باراً بهما، حتى وإن كانا مشركين كافرين، ولكن إن جاهداك على الكفر بالله سبحانه وأمراك به أمر مجاهدة، أي: أمراً شديداً بالكفر بالله عز وجل وجاهداك على ذلك فإذا فاصبر عليهما، اصبر على أبيك واصبر على أمك، ولا تطعهما في معصية الله سبحانه.
قال تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[لقمان:١٥]، أي: إن أمراك بشيء من الشرك وأنت تعلمه ولم ينزل الله عز وجل به سلطاناً فدعه وانته عن الشرك بالله سبحانه، وأمرهما بالمعروف وانههما عن المنكر، وصاحبهما في الدنيا معروفاً، ولا تطعهما في ذلك، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الله سبحانه وتعالى، لا في شرك ولا في غيره، فلا تطعهما أبداً في معصية الله سبحانه، ولكن تلطف معهما، كما قال تعالى:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}[لقمان:١٥] أي: ومع ذلك صاحبهما في الدنيا معروفاً، ولا تعنفهما ولا تزجرهما، ولا تشتمهما، كما قال تعالى:{فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}[الإسراء:٢٣].
والإنسان البار يُعرف ببره لوالديه، فتعرف الإنسان التقي من الشقي من معاملته مع أهله، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي).
فإذا كان صاحبك الذي تحبه يؤذي والديه فاعلم أنه لا خير فيه، ولا يستحق المصادقة والمصاحبة، فمره بالمعروف وانهه عن المنكر، ولا تطل المودة معه، فهو لا خير فيه لوالديه.
وإذا أردت أن تعرف أن هذا الإنسان فيه خير أو لا فانظر إلى حاله مع أبيه وأمه وإخوانه وزوجته، فإذا كان خيراً مع هؤلاء فهو جدير بأن يكون خيراً معك، وإن كان مع هؤلاء سيء الخلق فلا تنتظر منه أن يكون خيراً معك، فلو كان فيه خير لبدأ بالخير مع والديه.
وقد تجد إنساناً يرد على أبيه، ويشتم أمه، ثم يأتي إلى المسجد ويصلي! وتراه طيباً مع الناس، مع أنه لو كان فيه خير لكان خيراً مع والديه، فلذلك أمره ببر والديه، فإن الله عز وجل أمر بذلك، قال تعالى:{أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ}[لقمان:١٤]، أي: حتى ولو كانا يجاهدانك على الكفر بالله سبحانه تبارك وتعالى، وتجد الكثير من الناس طيبين وأخلاقهم حسنة مع الناس، وأما مع آبائهم وأمهاتهم فهم في غاية السفاهة، وهذا الذي يعملونه مع آبائهم وأمهاتهم سيعملونه مع أصدقائهم، فمرهم بالمعروف وذكرهم بالله سبحانه تبارك وتعالى.