قال الله تعالى:{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[النمل:٧٨]، أي: بين بني إسرائيل وبين خلقه جميعاً، يقضي بينهم بحكمه يوم القيامة فيما اختلفوا فيه، {وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ}[النمل:٧٨]، فالله يحكم يوم القيامة، ولا معقب لحكمه، والإنسان في الدنيا إذا اختصم مع غيره فلعله يخيفه ويأخذ حقه منه، ولعله أمام الحاكم يأتي بشهود زور يشهدون له، أما يوم القيامة فالحساب عند رب العالمين سبحانه، والحكم بينهم للملك الحق العدل المبين.
((وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)) أي: وهو العزيز الغالب الذي لا يمانع، القادر القاهر، سبحانه وتعالى، فإذا جاءوا يوم القيامة فلا يتكلم أحد أمام رب العالمين، ويختم الله على أفواههم كما قال سبحانه:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يس:٦٥].
فالله سبحانه ذكر أنه يقضي بحكمه، وكم من إنسان في الدنيا يصلح أن يحكم بين الناس، ولكن لا يقدر على ذلك لضعفه، فقد يعرف المسألة ويعرف الحق فيها، ولكنه يخاف أن يقوله؛ لكي لا يؤذيه أحد الخصمين، وكم من إنسان يحكم بين اثنين، فيحيف وينصر أحدهما على الآخر، وكأنه قريب منه؛ لأنه أدلى بحجة صحيحة في زعمه، وليست بحجة صحيحة، وهذا إن مضى وجاز على الناس، فلا يجوز على رب العالمين سبحانه وتعالى.
فالإنسان يدلي بحجته يوم القيامة، ويأتي الضعيف فيقول: يا ربي سل هذا: فيم قتلي؟ أو فيم أكل مالي؟ أو فيم لطمني؟ أو فيم ظلمني؟ والله عز وجل يسأله: لم فعلت كذا؟ فلا يقدر أن يكذب، فتنطق جوارحه بالحق ويدين نفسه في يوم الجزاء ويوم الدين، قال الله سبحانه:{إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ}[النمل:٧٨]، أما في الدنيا فيظهر الله الحق الذي أخفاه أهل الكتاب، ويأتي بالحق في كتابه ليحكم به بين الناس، وأما يوم القيامة فيؤاخذ الظالم ويعاقبه، فإما أن يدخله النار، وإما أن يأخذ من حسناته ويعطيها المظلوم، حتى يكتفي ويشعر أنه أخذ حقه وانتصر عليه، فقوله:((وَهُوَ الْعَزِيزُ)) أي: الغالب، و ((الْعَلِيمُ))، الذي يقضي بعلمه وحكمه، والذي يعلم كل شيء، ما ظهر وما خفي، ويعلم السر وأخفى، فيقضي بينهم يوم القيامة بحكمه ((وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)).