[تفسير قوله تعالى: (ثم دمرنا الآخرين وإن ربك لهو العزيز الرحيم)]
قال تعالى: {ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ} [الشعراء:١٧٢] أي: جاء الدمار من عند رب العالمين، فالقرية قلبت رأساً على عقب، وأتبعهم الله عز وجل بحجارة من سجيل، وهي حجارة صلبة محماة في نار جهنم.
قوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} [الشعراء:١٧٣] أي: نزلت الحجارة كالمطر من السماء، قال تعالى: {فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنذَرِينَ} [الشعراء:١٧٣] فإن أسوأ ما يكون من مطر أن ينزل على هذه الصورة لمن أنذروا، فلم يستجيبوا لمن حذروا، ولم يأخذوا حذرهم، فجاء العذاب من عند رب العالمين فساء مطر المنذرين.
وفي سورة العنكبوت يذكر الله سبحانه وتعالى قصة لوط على نبينا وعليه الصلاة والسلام وكيف حذر قومه، قال الله عز وجل: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ} [العنكبوت:٢٨ - ٢٩].
فهذه جملة من ذنوب هؤلاء الكفار، فهم قوم يكفرون برب العالمين سبحانه، فيدعوهم لوط إلى توحيد الله سبحانه، ولكنهم شواذ يأتون الذكران من العالمين، ويقطعون السبيل، فهم لصوص يقطعون الطريق على الناس، ليسلبوا أموالهم ويأخذوها.
قوله تعالى: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمْ الْمُنكَرَ} [العنكبوت:٢٩] يعني: في المجالس التي يجلسون فيها لفعل الفاحشة، ولا ينكر بعضهم على بعض شيئاً، فهم يرفعون أصواتهم، ويتظارطون في مجالسهم، ويأتون هذه الفاحشة والعياذ بالله في مجالسهم ولا أحد ينكر على أحد شيئاً.
قال الله تعالى: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [العنكبوت:٢٩]، فأهل الجريمة وأهل الفساد هذا جوابهم.
قال تعالى: {قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ} [العنكبوت:٣٠]، ثم ذكر الله عز وجل كيف أنجاه.
وفي سورة الصافات يقول الله عز وجل: {وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ * ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ * وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الصافات:١٣٣ - ١٣٨] أي: تمرون على هذه القرى قرى سدوم، فقد صارت أرضهم بحراً مراً في هذا المكان، من يمر عليه يعرف أن هنا كان قوم لوط يأتون الفاحشة، فأهلكهم الله سبحانه وتعالى.
قال الله تعالى هنا في هذه السورة الكريمة: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:٨ - ٩]، ويختم الله كل قصة بهذا الختام الجميل، فقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ} [الشعراء:٨] أي: الذي حدث من هؤلاء وحدث لهم وحدث فيهم آية وموعظة لمن يعتبر، وعبرة لمن يتذكر.
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ} [الشعراء:٨] أي: الذين سمعوا هذه المواعظ لم يتعظوا بها، {وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء:٩] عزيز منيع الجانب سبحانه وتعالى، قوي غالب قادر قاهر سبحانه، جبار قهار فعال لما يريد، وهو رحيم سبحانه، فإذا تاب إليه العبد تاب الله عز وجل عليه.
روى ابن ماجة عن ابن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا معشر المهاجرين! خصال خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا) فالفاحشة فعلها قوم لوط وغيرهم، فجاءت العقوبة من السماء من عند رب العالمين، وغيرهم قد يقعون فيها، والله عز وجل قد يستر أقواماً، وقد يفضح أقواماً، وقد يهلك أقواماً سبحانه وتعالى، والهلاك يقيناً يأتي لمن يجاهر بالمعصية ولمن يجاهر بالفاحشة.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها) أي: حتى يفعلوا الفاحشة ويستهينوا ويستهزئوا ويجهروا بها، فيقعون في الزنا، ويقعون في اللواط، ويأتون الفاحشة جهاراً، فيأتي العذاب من عند الله، قال: (إلا فشا فيهم الطاعون) أي: يرسل عليهم الوباء العظيم الذي لا قبل لهم به، يرسل عليهم الطاعون ويرسل عليهم الكوليرا والزهري والسيلان والإيدز، ويرسل عليهم الكبد الوبائي، ويرسل عليهم ما لا طاقة لهم به، وكلما قالوا: تغلبنا على شيء فتح لهم غيره ولا يقدرون عليه، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإن هذه الفاحشة إذا ظهرت في القوم ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا المنكر، جاءت العقوبة من عند الله، يقول سبحانه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:٢٥] فإذا جاء الوباء انتشر وعم المفسد وغيْر المفسد، وتجد المريض يقول: الإيدز انتشر في الناس عن طريق الدم، فهذا بلاء من الله عز وجل.
وكذلك الكبد الوبائي ينتقل عن طريق نقل الدم من إنسان لإنسان فيبتلى به، قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:٢٥]، يبتلى بها الجميع، فهذا يبتلى لكونه مفسداً، وهذا يبتلى لكونه ساكتاً عن الفساد، فلم يأمر بمعروف ولم ينه عن المنكر، فتأتي العقوبة على الجميع.
فالله يحذرنا من أن نقع في الفواحش، وأن نجاهر بها، وأن نستهين بعقوبة الله، وقال: {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢].
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.