للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بيان تجاوز الله عن عباده المؤمنين]

إن هؤلاء المؤمنين الذين عبدوا الله، والذي كان من دعائهم ما ذكر الله سبحانه، قال عنهم: ((أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ))، وكل بني آدم خطاء، والله سبحانه وتعالى يجازي العبد على إحسانه بالحسنى وزيادة، وعلى بعض سيئاته وليس على جميعها، بل يتجاوز الله سبحانه، كما قال: {وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [المائدة:١٥]، وقال: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:٣٠]، فكأنه بفضله وبرحمته يتكرم على الإنسان، ويبتليه في الدنيا بمكفرات لذنوبه، فيبتلى الإنسان بنقص في رزقه، ويبتليه بشيء من الآلام والأمراض وغيرها من مصائب الدنيا؛ لتكون تكفيراً لسيئاته عند الله سبحانه وتعالى.

فلذلك يقول سبحانه هنا: ((وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ))، فيعفو عنهم سبحانه، بل يتكرم الله عز وجل ويبدل بعض سيئاتهم حسنات، كما قال تعالى: {أُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:٧٠]، فإن عباد الله عبدوه سبحانه ووقعوا في الذنوب، والله عز وجل يريد لهم درجة في الجنة لن يبلغوها بأعمالهم، فيطلعهم سبحانه على ما صنعوا من سيئات في الدنيا -صنعت كذا، وصنعت كذا- فيخجل العبد من ربه سبحانه يوم القيامة ويستحي، ويقر بذنوبه ويعترف، فيستره الله ثم يبدلها له حسنات مكان هذه الذنوب التي فعلها، ويرفعه بها درجات من فضله وكرمه سبحانه وتعالى، قال: {أُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان:٧٠]، وقال هنا: ((وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ)) أي: نعفو عن سيئاتهم فيما كان بينهم وبين الله عز وجل.

وأما ما كان بينه وبين الناس فلا بد فيه من القصاص والجزاء كأن يكون لطم إنساناً، أو ضربه، أو أخذ ماله، فهذا يجزى عليه يوم القيامة، ويعطي للآخرين من حسناته، وأما ما كان من ذنوب بين العبد وبين الله فإما أن يعفو عنها سبحانه، أو يؤاخذ العبد على جميعها، وهذا يعود إلى إرادة الله ومشيئته سبحانه.

فإن من أصحاب الجنة من يدخله الله عز وجل الجنة بغير حساب، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم، ومنهم من يحاسب حساباً يسيراً، ومنهم من يحاسب حساباً شديداً فيحبس عن الجنة فترة ثم يدخلها، ومنهم من يدخل بذنوبه النار -نسأل الله العفو والعافية- ثم يعفو عنه سبحانه ويخرجه من النار إلى الجنة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>