فالغرض أن عمر كان من أعظم الناس فراسة رضي الله عنه تبارك وتعالى عنه، وليس معنى ذلك أن ما يقوله أو يحدث به كله صواب، أو أنه إذا رأى رأياً فلا يشور أحداً.
وإنما المعنى: أن الله عز وجل يرينا بعض آياته في بعض من خلقه.
فإن عمر رضي الله عنه جاءته امرأة تشكو زوجها، فقالت: هو من خير أهل الدنيا، يقوم الليل حتى الصباح، ويصوم النهار حتى المساء.
ثم أدركها الحياء فقال لها عمر بن الخطاب: قد أحسنت الثناء.
ولم تذهب المرأة فـ عمر الذي هو صاحب الفراسة العظيمة، لم يفهم مقصدها، وإنما فهمه كعب بن سوار فقال لـ عمر رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين لقد أبلغت الشكوى إليك، أي: شكت شكوى كبيرة وعظيمة، فقال: علي بزوجها، فجاء زوجها فقال لـ كعب: اقض بينهما، فقال: أقضي وأنت شاهد؟ قال: إنك قد فطنت لما لم أفطن له من حاجتها.
فقال: إن الله عز وجل يقول: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}[النساء:٣] ثم قال لزوجها: صم ثلاثة أيام، وأفطر عندها يوماً -يعني: كأنك متزوج أربع نسوة؛ فإذا كنت متزوجاً أربع نسوة فمن حقها أن تجعل لها كل أربعة أيام يوماً، فصم ثلاثة أيام وأفطر عندها يوماً- وقم ثلاث ليال وبت عندها ليلة.
أي: كأنك متزوج أربع نساء.
فقال عمر رضي الله عنه: لا أدري من أي أمرك أعجب، من فهمك شكواها، أم من قضائك بينها وبين زوجها، اذهب إلى البصرة فاقض بين أهلها.
فجعله قاضياً لأهل البصرة.
فلم يكن علم الفراسة مختصاً بـ عمر وحده ولا بـ كعب وحده، ولكن الله عز وجل قسم من ذلك العلم لمن يشاء من خلقه، فجعل لهم نصيباً.