للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معنى قوله تعالى: (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم)]

قوله تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الزمر:٢٣] المؤمن حين يقرأ هذا القرآن وحين يستمع للمواعظ ويتأمل فيها ويتدبر وتصفو نفسه يقشعر جسده وجلده وتبكي عيناه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله)، ووعد من الله سبحانه ألا تمس النار هاتين العينين (عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله).

فهنا ذكر: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ} [الزمر:٢٣]، فالمؤمن وهو يقرأ القرآن إذا تذكر النار يقشعر جلده ويخاف من الله سبحانه، واقشعرار الجلد ليس معناه أنه يظهر أمام الناس وهو يرتعش من ذلك، ولكن المعنى أن تأخذه قشعريرة، فيجد في جلده شيئاً من الاضطراب.

قال تعالى: {ثُمَّ تَلِينُ} [الزمر:٢٣] حين يذكر الجنة وحين يذكر رحمة رب العالمين وفضل الله سبحانه تبارك وتعالى وأن الحسنة بعشر أمثالها ويضاعف الله لمن يشاء وأن السيئة سيئة واحدة فإنه يلين ويخبت ويعرف رحمة الله فيركن إلى رحمته سبحانه تبارك وتعالى.

قال تعالى: {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الزمر:٢٣]، فالمؤمن حين يذكر الله سبحانه يطمئن بالله {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨]، {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ} [الأنعام:٨٨]، وفي هذا القرآن الهدى من الله، والذي يحدث في هذا الإنسان من قشعريرة ومن اضطراب وخوف ثم لين إلى ما جاء من ذكر الله سبحانه، هذا من فضل الله على هذا الإنسان أن يجعله يخاف من الله ويبكي من خوف الله سبحانه تبارك وتعالى، ويفرح بنعمة الله، وهذا من هدايته لهذا الإنسان، فالله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، فقال: {وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الرعد:٣٣]، فالذي يضله الله سبحانه لن يجد له من يهديه.

وهذه الآية يقف عليها ابن كثير بالياء، فإذا وصل أثبت الياء ((وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادي))، أما غيره فلا يقفون عليها إلا بالسكون، فـ ابن كثير يقرؤها بالياء في الوقف فقط والله أعلم.

نكتفي بهذا القدر، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>