قال الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج:٣٨] بعد أن بشر المحسنين بالجنة، بشرهم في الدنيا بأنه معهم فقال:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ}[النحل:١٢٨]، وقال هنا:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}[الحج:٣٨]، فالله معهم في الدنيا وفي الآخرة، والله يدفع عنهم، والله يدافع عنهم، وهنا قراءتان:((إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ)) هذه قراءة الجمهور، وقراءة ابن كثير وأبي عمر ويعقوب:(إن الله يدفع عن الذين آمنوا)، فإذا جاء الكفار دافع الله عز وجل عن المؤمنين، وإذا نزلت البلية وجاءت المصيبة دفع الله عن المؤمنين.
{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}[الحج:٣٨] إذا علمنا سبب النزول عرفنا ما هي العلاقة بين أول الآية وآخرها، قالوا: نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم الكفار، وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة، فأراد بعض المؤمنين في مكة أن يقتل من أمكنه من الكفار ويهرب بعد ذلك، وأراد بعضهم أن يغتال بعضهم أو يغدر بهم في أموالهم، ويحتال عليهم، فنزلت هذه الآية تحذر المؤمنين، وقد ذكرنا أن هذه السورة العظيمة سورة الحج مكية ومدنية، فيها آيات مكية، وفيها آيات مدنية، وهي من السور التي جمعت بين القرآن المكي والقرآن المدني، وهذه الآية يطمئن الله عز وجل المؤمنين بأنه يدافع عنهم، فلا تفعلوا ذلك:{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ}[الحج:٣٨] كثير الخيانة، {كَفُورٍ}[الحج:٣٨] يكفر بالله سبحانه تبارك وتعالى، ويجحد نعم الله سبحانه تبارك وتعالى، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(ينصب للغادر لواء عند استه بقدر غدرته يقال: هذه غدرة فلان) يعني: يوم القيامة يفضح الإنسان الغدار، فإذا كان المؤمنون في أمان مع الكفار فلا يجوز أن يغدروا بهم فيأخذوا أموالهم، أو يقتلوهم غيلة وغدراً وخيانة، وإنما القتال يكون في الجهاد في سبيل الله سبحانه تبارك وتعالى، {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}[الأنفال:٥٨] حتى يعلموا أنه سيقاتلهم ثم يحدث القتال بين المؤمنين وبين الكفار، أما الغدر والخيانة فالله عز وجل نهى عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم الصادق الأمين صلوات الله وسلامه عليه كان في مكة يؤذى عليه الصلاة والسلام، ويفعل المشركون أفضع أنواع الأذى فيه وفي أصحابه صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك كانوا يأتمنونه على أموالهم، فكان عنده ودائع لهؤلاء الكفار في بيته صلوات الله وسلامه عليه، فلما أراد أن يهاجر صلوات الله وسلامه عليه لم يأخذ هذه الودائع والأمانات ويذهب بها ويقول: أخذنا منهم بما فعلوه، مع أنهم جهزوا لقتله صلى الله عليه وسلم أربعين رجلاً، وجلعوا من كل قبيلة رجلاً معه سيف ليقتلوا النبي صلى الله عليه وسلم بضربة رجل واحد، فالنبي صلى الله عليه وسلم أوصى بالأمانات لـ أم أيمن ولـ علي بن أبي طالب؛ حتى تعاد الأمانات إلى أهلها، وخرج مهاجراً إلى المدينة صلوات الله وسلامه عليه ولم يأخذ شيئاً من أموالهم وهم عازمون على قتله صلى الله عليه وسلم! قال الله سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ}[الحج:٣٨]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك).
نسأل الله عز وجل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.