للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بيان دعوة إلياس لقومه]

قال الله عز وجل: {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ} [الصافات:١٢٣ - ١٢٤] (ألا تتقون) أي: ألا تخافون الله سبحانه تبارك وتعالى فتجعلون وقاية بينكم وبين عذاب الله بتوحيدكم الله سبحانه وبعملكم الصالح، وتعتصمون من عذاب الله بتقواه وبالعمل له.

{أَتَدْعُونَ بَعْلًا} [الصافات:١٢٥] أي: أتعبدون هذا الصنم من دون الله سبحانه؟ والبعل يأتي بمعنى: الرب.

فكأنه يقول: أجعلتم هذا الصنم رباً من دون الله سبحانه تبارك وتعالى تدعونه وتلجئون إليه من دون الله؟ {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} [الصافات:١٢٥] سبحانه تبارك وتعالى أي: أفتتركون الرب العظيم الذي هو خالق كل شيء وهو أحسن الخالقين سبحانه ولا خالق سواه سبحانه.

وقال هنا: {أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} [الصافات:١٢٥] وكأنه في المعنى: أن هناك خالقاً آخر مع الله سبحانه تبارك وتعالى، لكن الخلق يأتي بمعنى: التقدير، وبمعنى: الإنشاء من العدم، ولا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه تبارك وتعالى.

والإنسان قد يقدر فيسمى خالقاً من هذا المعنى، فإن الله عز وجل هو الخالق الباري المصور، فالخالق هو الذي يقدر الشيء أن يكون كذا وكذا، والباري الذي ينفذ ويوجد هذا الشيء الذي قدره سبحانه تبارك وتعالى، وهو المصور الذي يعطي لهذا الشيء الذي أوجده الصورة التي يتميز بها عن غيره.

إذاً: فمن معاني الخلق: التقدير للشيء، وقد يكون الإنسان مقدراً، مثل الإنسان الذي يبني عمارة فيقدر أن القواعد ستكون كذا، والأساس كذا، والأعمدة كذا.

وأما التنفيذ فإنها مرحلة أخرى بعد ذلك.

فعندما قال: {اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:١٤] أي: أحسن المقدرين سبحانه تبارك وتعالى، فلا يقدر شيئاً ولا يدبر أمراً إلا ويكون على ما قاله الله سبحانه، كما قال تعالى: ((إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)) أي: على ما أراده الله سبحانه، ومستحيل أن يتخلف عما قدره الله عز وجل عليه.

إذاً فقوله تعالى: {اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:١٤] ليس معناها: أنه يوجد غير الله يوجد الشيء من العدم إلى الوجود، كلا، وإنما جاءت على أحد معاني الخلق وهو التقدير، فجعل الله عز وجل في خلقه من يفكرون في إنشاء أشياء، ويقدرون هذه الأشياء في تفكيرهم، فإذا قدروا ذلك فقد تأتي على ما قدروه وقد لا تأتي على ما قدروه.

والله عز وجل إذا قدر شيئاً لابد أن يكون على ما قدره سبحانه، تبارك الله أحسن الخالقين.

قال هنا: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ} [الصافات:١٢٥] فكلمة الخالق فيها معنى: التقدير، وفيها معنى: الإحياء، وفيها معنى: الإيجاد.

فإذا أتت وحدها فإن كل هذه المعاني تدخل تحتها، فإن الله هو الخالق الذي أوجد كل شيء سبحانه وقدره وأخرجه من العدم وجاء به إلى الوجود سبحانه تبارك وتعالى.

وإذا أتت هذه الكلمة مع غيرها من أسمائه الحسنى سبحانه، فإن كل اسم يأخذ معنى واحداً من المعاني.

فعندما يقول: {الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ} [الحشر:٢٤]، فيكون الخلق بمعنى: التقدير.

والباري بمعنى: أنه أوجد هؤلاء إلى البر، أي: أوجد من عدم.

والمصور بمعنى: أنه أعطاهم الصورة التي يتميزون بها عن غيرهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>