قوله:{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ}[النمل:٦٦]، فيها قراءتان، قراءة الجمهور:(بل ادارك علمهم في الآخرة)، وقراءة نافع وابن كثير وأبي عمرو ويعقوب:(بل أدرك علمه في الآخرة)، من الإدراك، فإما أن يكون فيه إنكار على هؤلاء على وجه الاستهزاء بهم:{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ}[النمل:٦٦]، مستهيناً ومستهزئاً بهم؛ فهم يدعون أنهم يعلمون وهم أجهل الجاهلين، لا يفهمون شيئاً، ولا يعرفون شيئاً، فيستهزئ بهم ربهم سبحانه.
وإما أن يكون معنى:{بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ}[النمل:٦٦]، أنه في الآخرة يدارك علمهم، ويتكامل يوم القيامة، فيعرفون حقيقة ما كانوا ينكرون، وكل إنسان معه شيء من العلم في الدنيا، لكنه يوم القيامة يكون أمامه عين اليقين وحق اليقين، فيرى بعينه الجنة والنار، ويرى بعينه الآخرة، فيكتمل علم الخلق يوم القيامة، حين يجدون ما كان غائباً أمامهم مشاهداً، فسيكتمل العلم لكل الخلق من كافر ومؤمن يوم القيامة، وكذلك أدرك علمهم في الآخرة، أي: فسيكون الإدراك يوم القيامة، فيعرفون ويستيقنون حين لا ينفعهم العلم، ولا ينفعهم هذا اليقين، ويكونون في النار.
فيكون المعنى: بل تكامل علمهم في الآخرة؛ لأنهم رأوا كل ما وعدوا به.
قال سبحانه:{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا}[النمل:٦٦]، يعني: أنهم في شك منها الآن، ويوم القيامة يصلون إلى اليقين فيعرفون، لكن لا تنفعهم معرفتهم.
{بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ}[النمل:٦٦]، أي في عمى عن الآخرة، ولذلك لا يعملون لها، أما المؤمن فهو يرى الآخرة كلما قرأ كتاب الله سبحانه، وكلما مرت به عظة من العظات، وكلما مر به ميت محمول إلى قبره، فهو متذكر للآخرة ليل نهار، يعلم أنه راجع إلى الله، وأنه سائله ومحاسبه.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، ونسأله ألا يجعلنا من الغافلين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.