تفسير قوله تعالى:(إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً)
قال تعالى:{إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}[الجاثية:١٩]، ولن يغنوا كذلك عن أنفسهم من الله شيئاً، فلو اتبعت أهواء هؤلاء لضللت، وحاشا صلى الله عليه وسلم أن يتبع أهواءهم، ولكن الله يخاطب نبيه هنا والخطاب لجميع الأمة، فإذا كان الله يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: لو اتبعت هؤلاء اليهود والنصارى والمشركين لضللت، فكيف يكون أتباع النبي صلى الله عليه وسلم لو اتبعوهم؟ وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستتبعهم:(حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وراءهم، قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟)، وقد فعل المسلمون ذلك، حتى صاروا كأنهم منهم، والآخرون لا يقبلونهم أن يكونوا منهم، بل إنهم يستكبرون عليهم، وهم ينظرون إليهم نظرة استعلاء واحتقار لهم، ولما مشى المسلمون خلفهم صدق فيهم قول النبي صلى الله عليه وسلم:(يوشك أن تتداعى عليكم الأمم)، وصدق فيهم أيضاً ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من أنهم يجتمعون عليكم، ولما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك قال:(يشد الله قلوبهم)، يعني: يقويهم ويجرئهم عليكم.
فيجرئهم علينا عندما نتنازل عن شرع الله عز وجل، ونبتعد عن دينه، فيشد الله قلوب أهل الذمة، فأول ما يصنعون أنهم يمنعون الجزية ولا يدفعونها، ولا يزالون يتقوون إلى أن يدفعها المسلمون لهم، وليس هم الذين يدفعونها، وهذا عندما يترك المسلمون الجهاد في سبيل الله سبحانه، ويتركون شرع الله وراء ظهورهم.
فإذا فعل المسلمون ذلك -وهذا ما حصل- فإن الكفار يفرضون عليهم الإتاوات، ويأخذونها منهم، ويمنعونهم من الجهاد في سبيل الله سبحانه، وإعلاء كلمته، وحتى ولو قالوا بألسنتهم بأنهم يحكمون بشرع الله، ويعلون دينه، فإن الحقيقة خلاف ذلك، ولا توجد دولة مسلمة تقيم شرع الله سبحانه، إلا ما كان في المملكة العربية السعودية من إقامة الحدود، أما باقي دول الإسلام فكلها تزعم أنها تقيم شرع الله، وأن دساتيرها لا تخالف شرع الله بزعمهم وكذبهم، والناس يصدقونهم في ذلك، في حين أن هذه الدول تلهث وراء الغرب الكافر، وتأخذ تشريعاته، فهذه الدولة تتبع القانون الفرنسي، وهذه تتبع القانون الإنجليزي، وكل دولة تتبع هواها في ذلك.