للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أبو بكر الصديق ومؤمن آل فرعون]

هذا الرجل العظيم كان مثله في أمتنا سيدنا أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، حيث يذكره علي رضي الله عنه ويقول: أبو بكر الصديق خير من مؤمن آل فرعون، مؤمن آل فرعون كان يكتم إيمانه وأبو بكر الصديق كان يظهر إيمانه رضي الله عنهما.

وهناك قصة ذكرها الإمام البخاري مختصرة، وساقها الإمام أحمد مطولة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه حيث سأله عروة بن الزبير فقال له: ما أكثر ما رأيت قريشاً أصابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يوماً في الحجر، أي: عند الكعبة في الحجر، فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط! سفه أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم! يذكرون هذا بنوع من التغيظ على النبي صلى الله عليه وسلم، وبنوع من إيقاد الشر عليه عليه الصلاة والسلام، فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، أي: أراد أن يطوف بالكعبة عليه الصلاة والسلام، ثم مر بهم طائفاً وهم عند الحجر فغمزوه ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، أي: شتموا النبي صلى الله عليه وسلم، فعرف عبد الله بن عمرو بن العاص ذلك في وجهه، أي: رأى وجه النبي صلى الله عليه وسلم تغير وغضب صلى الله عليه وسلم لما قالوا، ولكن صبر صلى الله عليه وسلم ثم مضى، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها، قال: فعرفت ذلك في وجهه ثم مضى، فلما مر بهم الثالثة غمزوه بمثلها، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: (أتسمعون يا معشر قريش؟! أتسمعون يا معشر قريش؟! أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح)، أي: بهذه الشريعة التي فيها استئصال الكفار الذين يظهرون العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم ولدين الله سبحانه وتعالى.

قال عبد الله بن عمرو: فأخذت القوم كلمته عليه الصلاة والسلام، فكأنهم فزعوا مما قاله صلى الله عليه وسلم، وأسكتهم الله فلم يقدروا على الرد والجواب، قال: حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم على النبي صلى الله عليه وسلم قال له: انصرف يا أبا القاسم، فوالله ما كنت جهولاً، يعني: اتركنا في حالنا، فانصرف النبي صلوات الله وسلامه عليه.

حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر، قال عبد الله بن عمرو: وأنا معهم، أي: كان ما زال كافراً، قال: فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منه، وما بلغكم عنه، حتى إذا بدأكم بما تكرهون تركتموه، أي: بدأ بعضهم يحرض بعضاً على النبي صلى الله عليه وسلم، فبينما هم كذلك إذ طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد يريدون أن يضربوه، ويريدون قتله عليه الصلاة والسلام.

قال: فأحاطوا به يقولون له: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ مما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم، يقولون: أنت تشتم آلهتنا، وتشتم ديننا، قال: فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم أنا الذي أقول ذلك، فقد كان شجاعاً صلوات الله وسلامه عليه، فلا يهمه أمرهم، مع أنهم قاموا له قومة رجل واحد، ولا أحد يوجد ليدافع عنه صلى الله عليه وسلم إلا حين بلغ ذلك أبا بكر رضي الله تعالى عنه، يقول عبد الله بن عمرو: فأخذ رجل منهم بمجمع ردائه، فقام أبو بكر رضي الله تعالى عنه وقال: ذروه، أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله؟! ثم انصرفوا عنه.

هذا في رواية الإمام أحمد، وفي رواية الإمام البخاري قال: فجاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فهجموا عليه وهو يصلي صلى الله عليه وسلم فوضع أحدهم رداءه في عنقه، وهو المجرم الملعون عقبة بن أبي معيط لعنة الله عليه وعلى أمثاله، فوضع رداء النبي صلى الله عليه وسلم في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فجاء أبو بكر رضي الله عنه فدفعه عنه وقال: أتقتلون رجلاً أن يقول: ربي الله وقد جاءكم بالبينات؟! فهجموا على أبي بكر رضي الله عنه، وضربوا أبا بكر ضرباً شديداً، فرجع أبو بكر رضي الله عنه، فجعل لا يمس شيئاً من شعره إلا جاء معه وهو يقول: تباركت يا ذا الجلال والإكرام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام.

أبو بكر الصديق أظهر إيمانه ودافع عن النبي صلوات الله وسلامه عليه، ونصر الله عز وجل به هذه الأمة في حرب الردة لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وارتد من ارتد عن دين الله عز وجل، فقام أبو بكر وحده وثبطه كثيرون، فأبى إلا أن يقوم لينصر دين الله سبحانه وتعالى، وقال: لأقاتلن حتى تنفرد سالفتي، أي: أقاتل هؤلاء المرتدين حتى أكون وحدي لا أحد معي، أقاتل حتى تنفرد سالفتي، يعني: حتى أقتل، فيكون معه عذر عند الله، فأيد الله عز وجل به هذا الدين، وقام الناس معه، ورجع دين الله إلى ما كان، ونشر الله هذا الدين بفضله سبحانه وتعالى ثم بما صنعه أبو بكر رضي الله تعالى عنه، فهذه مقولته وهذه مقولة مؤمن آل فرعون قبله: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله؟ هذا دافع عن موسى وذاك دافع عن نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه.

نسأل الله عز وجل أن ينصر دينه، وأن يثبت المؤمنين في كل زمان ومكان.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>