[تفسير قوله تعالى: (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم ويوم القيامة هم من المقبوحين)]
قال الله تعالى: {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [القصص:٤٠].
وبعد هذه الاستطالة خلال سنين طويلة إذا بالله عز وجل ينصر جنده، ليعلم النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنون أنه مهما طال زمن الاضطهاد، ومهما طال زمن الأذى على المؤمنين، أنه لابد وأن يأتي يوم ينصر الله عز وجل عباده ويهزم هؤلاء الكفرة، ففعل بفرعون ما سمعنا، قال: ((فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ)).
وانظر إلى التعبير: ((فنبذناهم)) والنبذ هو الإلقاء بالشيء الحقير، كأنه شيء تقدر عليه وتملكه فتأخذه بيديك وترميه بيدك؛ لحقارته وضعفه ولقوتك وقدرتك.
فأخبر الله سبحانه أنه نبذ فرعون وألقاه في اليم كما تلقى المهملات، قال: ((فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ)) أي: هذا الذي علا واستكبر يرمى كالزبالة بداخل اليم، فانظر وتعجب لأمر الله سبحانه.
وقال تعالى: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص:٤١] أي: جعلنا فرعون وملأه وجنوده أئمة يدعون إلى النار بإغوائهم، فهم كانوا يغوون الناس ويدعونهم إلى الضلالة، فكانوا أئمة الضلالة هم ومن اتبعهم في النار.
قال سبحانه: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ} [القصص:٤١] أي: لا يجدون ناصراً لهم، ففرعون وجنوده في نار جهنم لا ينصرهم أحد.
وقال تعالى: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} [القصص:٤٢] أي: قفينا على آثارهم، فمن يسمع بذكر فرعون وجنوده، يقول: لعنة الله عليه وعليهم، لا أحد من المؤمنين يذكرهم بخير، إلا ما كان من أهل الاستخفاف ومن أهل الحماقة ومن أهل الجهل، الذين يقولون: آباؤنا الفراعنة فيفتخرون بهم، فهؤلاء أتباعهم وأشياعهم، ومن افتخر بهم كان سبيله النار وراء فرعون؛ كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلين في عهد موسى افتخرا وذكرا الآباء، فأحد الاثنين افتخر بالآباء عن الآخر، فقال له: أنا فلان بن فلان بن فلان، وعد تسعة آباء له، وقال الآخر: أنا فلان بن فلان بن الإسلام، -أي: يكفيني شرف الإسلام، فافتخر بدين رب العالمين سبحانه- فأوحى الله إلى موسى: أن قل لهذين المفتخرين: أنت افتخرت بتسعة آباء من الكفار أنت عاشرهم في النار، وأنت افتخرت بالإسلام فأنت في الجنة).
فهذا الذي افتخر بالآباء الكفار كهؤلاء الذين يقولون: أجدادنا الفراعنة، يعني: يفتخرون بالكفار، فهذا مآلهم: {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً} [القصص:٤٢] فكل من يقلد فرعون ويتبعه فهو ملعون في الدنيا، ففرعون وجنوده وملؤه من ذكرهم من المؤمنين، قال: لعنة الله على فرعون وعلى أشياعه وعلى أتباعه وعلى جنوده.
ثم قال: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} [القصص:٤٢] أي: من أهل القبح، يقبحهم الله، ويشوه وجوههم، ويحشرهم في نار جهنم زرق العيون سود الوجوه، على أقبح ما يكون من الكلاحة قبحهم الله، فمن يسمع بذكرهم يقول: لعنة الله عليهم وقبحهم الله، {وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ} [هود:٩٨]، {بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ} [هود:٩٩]، بئس ما يردون عليه يوم القيامة وبئس ما يعطون من عطاء في نار جهنم والعياذ بالله، فاحذروا وحذروا من يفتخر بآل فرعون، فإنما هم جهلاء لا يدرون، يفتخرون بالكفار الذين يتبعونهم في الدنيا، فيتبعونهم في نار جنهم يوم القيامة، نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.