للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى (تنزيل العزيز الرحيم)]

قوله تعالى: {تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ} [يس:٥] يذكر الله سبحانه وتعالى أن هذا القرآن العظيم منزل من عنده سبحانه، وفي قوله تعالى: {تَنزِيلَ} [يس:٥] قراءتان: فقراءة ابن عامر وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف: ((تَنزِيلَ)) بالنصب فيها.

وباقي القراء يقرءونها: (تنزيلُ العزيز الرحيم) بالرفع.

قوله تعالى: ((تَنزِيلَ)) أي: نزله تنزيلاً، فهو مفعول مطلق لفعل محذوف، أي: هذا القرآن نزله الله عز وجل تنزيلاً، وقراءة باقي القراء: (تنزيلُ العزيز الرحيم)؛لأنه خبر لما قبله، والتقدير: {إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يس:٣ - ٤] هذا القرآن تنزيل العزيز الرحيم.

وقوله تعالى: {تَنزِيلَ} [يس:٥] مصدر نزل تنزيلاً، فالقرآن منزل جاء من علو، أي: من عند الله سبحانه وتعالى.

وما أكثر الآيات التي تدل على علو الله سبحانه بذاته، فهو مستو فوق عرشه سبحانه وتعالى، قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، فهو عالٍ على خلقه بقهره وقدرته وجبروته سبحانه، وهو القاهر فوق عباده سبحانه وتعالى، كذلك شأنه عظيم، فله علو الشأن سبحانه، قال تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:٢٩].

ومن الآيات التي تفيد أن القرآن نزل من عند رب العالمين: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء:١٩٣ - ١٩٥].

قوله تعالى: ((الْعَزِيزِ))، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين، فالعزة صفة من صفاته، والعزيز اسم من أسمائه سبحانه وتعالى.

والله عزيز، أي: لا يمانع ولا يغالب سبحانه، إذا قضى أمراً فلا يرد قضاءه أحد، فهو العزيز القوي الذي لا يغالب، القاهر الذي لا يمانع، الذي إذا قضى شيئاً فلابد أن يكون على ما أراد أن يكون.

قوله تعالى: (الرَّحِيمِ): اسم من أسمائه، والرحمة صفة من صفاته سبحانه وتعالى.

فالرحيم: ذو الرحمة العظيمة البالغة، وقد ذكر سبحانه أن رحمته سبقت غضبه والرحمن والرحيم صيغتها مبالغة، والرحمن: ذو الرحمة العظيمة التي تعم الخلق جميعهم، والرحيم: ذو الرحمة العظيمة التي خص الله بها المؤمنين في الآخرة، قال تعالى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:٤٣]، فالرحيم: يرحم خلقه سبحانه فيهديهم ويدلهم على الصواب، وينزل عليهم الكتاب، ويرسل إليهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فهو بعباده رحمان رحيم، فإذا كان في الآخرة كان بالمؤمنين رحيماً.

والرحيم قد يوصف به خلق الله سبحانه، أما الرحمن فلا يوصف به إلا الله سبحانه وتعالى.

<<  <  ج:
ص:  >  >>