[تفسير قوله تعالى:(ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة)]
قال سبحانه:{مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ}[لقمان:٢٨] وهذه آية مدنية أيضاً، وكأن الناس تعجبوا من قيام الساعة، فبعد أن فني البشر وأكلتهم الأرض وصاروا تراباً كيف سيبعثون يوم القيامة؟ وكيف سيعرف أن في هذه الأرض فلاناً وفي هذه الأرض فلاناً وقد اختلطت الأجساد وصارت تراباً في البر وفي البحر؟ وكيف يجمعها الله سبحانه؟ فيقول: إن الأمر أسهل مما تفكرون فيه، إن خلق الجميع وبعث الجميع كخلق النفس الواحدة، فإن أمر الله تعالى أن يقول للشيء: كن فيكون، هذا أمره سبحانه وتعالى، والله على كل شيء قدير، وأمر الموت وأمر القيامة بقول من الله عز وجل، فيأمر الله عز وجل بالنفخ في الصور فيصعق من على هذه الدنيا من بشر، ويأمر سبحانه بالنفخة الأخرى فيقوم الناس من القبور.
قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}[لقمان:٢٨] والله يسمع كل شيء، ويرى كل شيء سبحانه وتعالى، ولا يخفى عليه شيء من أصوات وحركات وأشياء يقولها الإنسان ويخفيها ويسرها، فالله يعلم كل شيء.
فقد ذكروا في هذه الآية وغيرها أن الكفار كانوا يتعجبون: كيف خلق الله عز وجل الخلق أطواراً؟ وتسأل الكفار في مكة وفي المدينة وفي غيرها النبي صلى الله عليه وسلم: كيف أن الله خلق الإنسان أطواراً من تراب ثم من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم جعل المضغة عظاماً وكسى العظام لحماً، ثم أنشأه خلقاً آخر؟ كل هذه المراحل مر بها الناس، ثم سيخرجهم الله مرة واحدة من القبور، فيقول الله سبحانه:{مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ}[لقمان:٢٨] أي: كما هو يسير على الله سبحانه أن يخلق نفساً واحدة كذلك يسير عليه أن يخلق الجميع ويبعث الجميع من قبورهم مرة واحدة، فالله على كل شيء قدير، ولا يصعب عليه شيء.
وقد ورد أن مجموعة من الكفار سألوا النبي صلى الله عليه وسلم هذا السؤال منهم أبي بن خلف ومنهم رجل اسمه أبو الأشدين، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم متعجبين من هذا الأمر، وأبو الأشدين رجل من كفار مكة، ولذلك من يقول: إن هذه الآية مكية يقول: أبو الأشدين رجل من كفار مكة، والأشد مبالغة من الشديد، تقول: فلان شديد وفلان أشد، وأبو الأشدين كان فيه قوة عظيمة جداً، فقد كان يأخذ السجادة ويضع رجله عليها ويقول لعشرة: شدوها من تحت رجلي، وإذا قدرتم فخذوا كذا وكذا، فلا يقدرون، وتتمزق السجادة تحت رجله ورجله ثابتة فوقها، وكان كافراً، وكان يكيد للنبي صلى الله عليه وسلم كيداً شديداً، وفيه نزل قول الله عز وجل:{أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ}[البلد:٥]، وكان رجلاً كذاباً، فإذا سئل عن شيء قال: أنفقت مالاً كثيراً في كذا وفي كذا، والله عز وجل قد كذب هذا الرجل، فإنه لما سمع قول الله عز وجل في نار جهنم {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ}[المدثر:٣٠] اغتر وقال للناس: جهنم عليها تسعة عشر، أنا أكفيكم تسعة واكفوني الباقي، أكفيكم خمسة على ظهري وأربعة بيدي، واكفوني بقيتهم ونغلب محمداً بهذا الشيء! لقد كان مغروراً، لقد قاس الملائكة على الناس، ولم يعرف أنه في حماقته وغبائه وجهله لا يفهم شيئاً، فأين هذا المجرم الآن؟ وكم من مجرم مثل هذا الإنسان اغتر بقوته وظن بغبائه أنه قادر على ذلك، فيعجب الله عز وجل الخلق من مثل هذا الأحمق المغرور الغبي ثم يرينا نهايته، فإنه مات كافراً مجرماً، فإذا ذكر ضحك الناس على غبائه وأتبعوه لعنة إلى يوم القيامة، لعنة الله عليه وعلى أمثاله.
فليحذر الإنسان المؤمن أن يغتر بهؤلاء الكفار وبما أعطاهم الله من قوة ومال؛ فإن هذا كله مسلوب من هؤلاء، وسيرجعون إلى ربهم مهما تمتعوا في الدنيا يوماً من الأيام، وسوف يرينا في الدنيا عواقب هؤلاء الكفار، وعواقبهم غير محمودة، فيرينا كيف أنه إذا أعطاهم شيئاً سلبه منهم شيئاً فشيئاً، صحةً وقوةً وغنى، وفجأة يضيع منه كل هذا ليرينا أن الحياة الدنيا مهما استمتع فيها الإنسان فما هي إلا متاع الغرور.
نسأل الله عز وجل أن يهدينا وألا يضلنا، ونسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.