[تفسير قوله تعالى: (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق)]
قال سبحانه: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت:١٥]، وقال سبحانه: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} [الأعراف:٦٥].
فالرسول الذي أرسل إلى عاد كان أخاهم هوداً، وقد كانت عاد من العرب، وكانوا في اليمن، وكانت عاد قبل ثمود، وهي عاد الأولى، وقد أهلكها الله سبحانه تبارك وتعالى.
قال تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:٦٥].
فدعاهم إلى الله سبحانه تبارك وتعالى، وأنكر عليهم ما هم فيه من باطل ومن لعب.
فقال: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} [الشعراء:١٢٨ - ١٣١].
وهذا بعض صنيعهم، فكانوا قد استكبروا عندما وجدوا في أنفسهم القوة، قال تعالى: {إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر:٧] يعني: بيوتهم عالية عظيمة، فقد نحتوا الجبال نحتاً، وصنعوا قصوراً بداخل هذه الجبال، فأعطاهم الله عز وجل قوة لم يعطها لأحد من بعدهم من العالمين، فاستكبروا بقوتهم، واستطالوا على رسولهم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، فلما فعلوا ذلك قال الله سبحانه تبارك وتعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ} [فصلت:١٥] أي: على الخلق، قال تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ} [الشعراء:١٢٨] أي: تلعبون، {وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ} [الشعراء:١٢٩]، أي: أماكن لجمع المياه على هيئات فيها افتخار، وظلم للخلق، وأنتم غير محتاجين إلى ذلك، وإنما كانوا يصنعونها ليروا الناس أنهم أقوياء بصنعها، فكانوا يصنعون هذه المصانع التي هي موارد للمياه على هيئات عظيمة -أحواض ونحوها- يجمعون فيها المياه، ويُروا من أنفسهم أنهم أقوياء قادرون، ويفاخرون الخلق بذلك.
ويقولون لهم: هذه بيوتنا شققناها في الجبال وصنعناها فيها، وهذه عمداننا عالية طويلة؛ لأننا طوال الأجسام عريضها لا نسكن في بيوت مثلكم، وإنما ننحتها في الجبال.
استكباراً على الخلق، وتعالياً عليهم.
قال {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ * وَإِذَا بَطَشْتُمْ} [الشعراء:١٢٨ - ١٣٠] أي: بأقوام، {بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء:١٣٠] أي: وأنتم قاهرون لهم مستكبرون عليهم، ولم يكن في قلوبهم رحمة، قال: {وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ} [الشعراء:١٣٠] أي: قاهرين غالبين لهم لا رحمة في قلوبكم فانتظروا جزاء صنيعكم وعملكم.
قال الله عز وجل هنا: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت:١٥]، وهذا هو الاستكبار في الأرض، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} [فصلت:١٥] فهم معترفون بالرب سبحانه، ومعترفون بأن الرب أقوى منهم، ودليل اعترافهم بالرب أنهم بعثوا وافدهم إلى مكة يستسقي هنالك فهم يعرفون أن الرب القادر هو الذي يرزقهم ويسقيهم.