تفسير قوله تعالى:(النار يعرضون عليها غدواً وعشياً)
قال تعالى:{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ}[غافر:٤٦]، فعندما أغرقهم سبحانه نقلهم من هذا العذاب إلى عذاب البرزخ في القبور، سواء دفنوا في البحر أم دفنوا في البر، قال سبحانه:(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا).
وأرواح فرعون وجنوده وملئه في حواصل طير سود تغدو بهم إلى النار والعياذ بالله، ولك أن تنظر إلى الفرق بين هؤلاء وبين الشهداء والأولياء، فالله سبحانه يقول عن الشهداء والأولياء:{لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}[يونس:٦٢]، ويقول:{وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران:١٦٩]، فقد جعل الله أرواحهم في أجواف طير تسرح في الجنة حيث شاءوا، وهؤلاء الآن في البرزخ في قبورهم، وهم الآن في هذه الحياة الوسطية بين الدنيا والآخرة، ففي البرزخ جعلهم الله عز وجل يستمتعون من الجنة بأرواحهم، فإذا كان يوم القيامة أدخلهم الجنة بأجسادهم وأرواحهم، أما فرعون ومن معه فقد جعل الله عز وجل أجسادهم مملوءة عليهم ناراً، وجعل أرواحهم في أجواف طير سود تذهب بهم إلى النار كل يوم غدواً وعشياً، والغدو: أول النهار، والعشي: آخر النهار، وذلك حتى تقوم الساعة، فإذا قامت الساعة ألقيت أرواحهم وأجسادهم في النار خالدين فيها أبداً إلا ما شاء الله سبحانه وتعالى، قال تعالى:(النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا)، فإذا قامت القيامة:(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ).
جاء في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، فإن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة)، فإن كان مؤمناً قال: رب أقم الساعة، فرحاً بما سيناله في الجنة، وإن كان من أهل النار قال: رب لا تقم الساعة، خوفاً مما سيناله في النار، والقبر إما روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار والعياذ بالله، لكن آل فرعون يذهب بهم إلى النار كل يوم غدواً وعشياً كما ذكر الله سبحانه وتعالى، ثم قال:(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا)، والأمر للملائكة، أي: خذوهم وسوقوهم إلى النار.
وفي الآية قراءتان: قراءة نافع وأبي جعفر ويعقوب وحفص عن عاصم وحمزة والكسائي وخلف، فإنهم يقرءونها:(أَدْخِلُوا) من الأمر، فالله سبحانه يأمر الملائكة بهذا فقال:(أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ) وهذا الفعل متعدٍ إلى مفعولين هنا، والمعنى: خذوا آل فرعون وأدخلوهم أشد العذاب في النار، (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا)، أيها الملائكة! (آلَ فِرْعَوْنَ)، هذا هو المفعول الأول، (أَشَدَّ الْعَذَابِ) هذا هو المفعول الثاني.
القراءة الثانية: قراءة ابن كثير وأبي عمرو وشعبة عن عاصم وابن عامر، فإنهم يقرءونها:(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ادْخِلُوا)، وكأن الأمر لآل فرعون، أي: ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب، وهل يجرءون على عدم دخول النار بأرجلهم؟ لا، فهم لا يملكون أن يتقهقروا أو أن يعصوا الله فيما أمر سبحانه، فإذا خافوا من النار دفعتهم الملائكة إليها والعياذ بالله، قال تعالى:(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أدْخُلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)، أي: ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب، وهي نار جهنم والعياذ بالله.