[تفسير قوله تعالى: (وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم)]
قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب:١٣].
قوله: ((وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ)) أي: من المنافقين.
والطائفة تطلق على المجموعة، وقد تطلق على الواحد، فهنا قالها واحد ووافقه الباقون، فقال رجل اسمه أوس بن قيظي والد عرابة بن أوس الذي كان يضرب به المثل في الكرم، وهذا أبوه كان منافقاً، فقال هذا الرجل كما أثبت الله سبحانه وتعالى قال: ((يَا أَهْلَ يَثْرِبَ)).
ويثرب هي المدينة، كانت تسمى بذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم سماها (طابة) وسماها (طيبة) وسماها (المدينة)، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحب هذا اسم يثرب، فالله عز وجل أثبته؛ لأن ذلك المنافق قال ذلك، فنادى على أهل يثرب.
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحب هذا الاسم؛ لأن يثرب مأخوذ من التثريب، كما قال سيدنا يوسف عليه الصلاة والسلام: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف:٩٢] والتثريب بمعنى التوبيخ، فتسمية المدينة بطابة وطيبة لأنها أسماء جميلة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسميها بذلك، ولها أسماء أخرى.
فهنا قالوا: ((يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا)) ولماذا سميت يثرب؟ قيل: سميت على اسم رجل نزلها من العماليق واسمه يثرب بن عبيل، هذا أصل التسمية فيها.
قالوا: ((لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا)) هذه قراءة حفص عن عاصم، وقراءة جمهور القراء: ((لا مَقام لكم فارجعوا)).
قوله: ((لا مُقَامَ لَكُمْ)) (مُقام) مصدر من أقام يقيم إقامة فهو مقام، وعلى القراءة الأخرى: (لا مَقام) كأنه مكان، أي: لا موضع إقامة.
إذاً: لا إقامة ولا مكان تقيمون فيه في هذا المكان الذي أنتم فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: ((فَارْجِعُوا)) أي: اتركوا النبي صلى الله عليه وسلم في مكانه، وارجعوا إلى المدينة.
قوله: ((وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ)) المنافق يكذب ولا يهمه أنه يكذب، فيستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: نحن تركنا بيوتنا في المدينة عورة ومكشوفة، وجدارها قصيرة فقد يأتي أحد ويدخل فيها، وهم لا يقولون ذلك صدقاً، وإنما يقصدون أن يفروا ويتركوا النبي صلى الله عليه وسلم وحده، هذا فعل المنافقين في كل وقت، يقول الله عز وجل: ((وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ)).
ويكذبهم الله قال: ((وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ)) أي: ليست بعورة، وإنما حقيقة أمرهم ((إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا)) ففضحهم الله سبحانه وتعالى.