للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت)]

قال الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:٣٥].

كل ما جعل الله عز وجل فيه روحاً لابد أن يذوق الموت، الإنسان والحيوان والجان، كل ما فيه أرواح خلقها الله عز وجل لابد وأن يميتها ويذيقها هذا الموت، {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [الأنبياء:٣٥].

{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:٣٥].

((وَنَبْلُوكُمْ)) أي: نختبركم، فيبتلي الله عز وجل الإنسان بالمصائب التي يراها شروراً، ويبتليه بالكفار وهم أشرار، ويبتليه بالفجار وهم أشرار، ونبلوكم أيضاً بالخير، نمتحنكم، نفتح عليكم الدنيا، نعطيكم من المال، نعطيكم من البنين، نعطيكم من المناصب، نعطيكم من زهرة الدنيا، وهذا بلاء من الله عز وجل.

فالإنسان حين يرى ذلك من الخير أو من الشر عليه أن يصبر لأمر الله سبحانه، وينظر في نفسه، ويحرص أن ينجح في هذا الامتحان، فلينفق المال في الحلال، ينفق على نفسه، على أهله، على ولده، ينفق على الفقراء والمساكين وأقربائه، ينفق كما أمر الله عز وجل في وجوه الإنفاق الشرعية، أما من رسب في الامتحان فإنه يتجه إلى الحرام، يريد أن ينمي ماله بالحرام، يدخل الأموال في الربا، يدخل في المبايعات الخاطئة، يدخل في الرشا، يدخل في الأشياء التي يحرمها الله سبحانه تبارك وتعالى.

{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:٣٥] كله بلاء من الله عز وجل، والمؤمن ينتفع بالنصيحة، فإذا به ينجح في الامتحان، وإذا جاءه الخير رضي بفضل الله وحمد الله سبحانه، وفعل به ما يرضي ربه سبحانه، وإذا جاءته المصائب والأقدار، وجاءته الشرور يصبر لأمر الله، ولا يخرج عن قوله أبداً، ولا يعترض على أمر الله سبحانه تبارك وتعالى.

الإنسان المؤمن يعلم قول الله سبحانه: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣]، فإذا ابتلاك الله عز وجل بشيء لا تقول: لماذا؟ فالله لا يسأل عن شيء، ولكن تسأل الله عز وجل وتقول: (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها)، ولكن الله عز وجل أعلم بالخير.

أم سلمة لما مات زوجها أبو سلمة وكان من أفاضل الناس رضي الله تبارك وتعالى عنه، وكانت لا ترى أحداً أفضل منه، وما كان على بالها أبداً أن تكون زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام، فلما مات زوجها وبكت عليه، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (قولي: اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها)، فالسيدة أم سلمة فكرت في عقلها: ومن خير من أبي سلمة؟ في نظرها أنه لا يوجد أحسن منه، ولاشك أنه يوجد أفضل من أبي سلمة، فـ أبو بكر الصديق أفضل منه، وعمر بن الخطاب أفضل منه، وكذلك عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله تبارك وتعالى عن الجميع، والنبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الجميع صلوات الله وسلامه عليه، فهي فكرت وقالت: من خير من أبي سلمة؟! ولكن قالت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها)، فأخلف عليها رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، فكان هو الخيرة لها رضي الله تبارك وتعالى عنها، وصلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً.

قال الله: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء:٣٥]، على الإنسان إذا جاءته الفتنة أن ينظر في أمر نفسه، وينظر في أمر الله عز وجل، ما الذي يريده الله عز وجل منه، فيصبر على الشر، يصبر على البلاء، وإذا كانت الفتنة بالمال أو البنين أو النساء فينظر ما الذي يرضي ربه فيصنعه، وما يغضب الله فيبتعد عنه.

قال: {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:٣٥]، هذا تهديد وتخويف من الله عز وجل، يعني: مهما أعطيناك من أمور الدنيا، فأنت راجع إلينا، فانظر بِمَ سترجع إلينا هل أنت متضجر على أمر الله سبحانه؟ هل أنت معترض على قضاء الله وقدره؟ أو أنك راضٍ بقضاء الله، صابر لأمر الله سبحانه تبارك وتعالى؟ فإذا جاءت فتنة المال والبنين فاعمل بما يرضي ربك سبحانه تبارك وتعالى.

قال: {وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الأنبياء:٣٥]، هذه قراءة الجمهور، وقراءة يعقوب: ((وإلينا تَرجِعون)).

<<  <  ج:
ص:  >  >>