للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تفسير قوله تعالى: (لا يسأم الإنسان من دعاء الخير)]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

أما بعد: قال الله عز وجل في سورة فصلت: {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ * وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ * سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت:٤٩ - ٥٤].

هذه الآيات الأخيرة من هذه السورة الكريمة سورة فصلت، يخبر الله عز وجل فيها عن طبيعة في كل إنسان، أنه لا يسأم، أي: لا يمل من دعاء ربه بالخير، فيدعوه طالباً للخير، وطالباً للمال، وطالباً للصحة والعافية، وطالباً للعز والسلطان، وطالباً ما يتمكن به في الأرض، وطالباً للأتباع والولد، وطالباً من الدنيا ما يريده ويشتهيه، فلا يمل أن يسأل ذلك ربه سبحانه، بل إنه يطلب منه المال والزوجة والمنصب والولد، وغير ذلك، فلا يمل من دعاء الخير، أي: من طلب المال ونعيم الدنيا، قال تعالى: {لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ} [فصلت:٤٩] أي: أي شيء من الشر الذي يُرى أنه شر، وإن كان كل ما قضى الله عز وجل لعباده من قضاء فهو خير، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:٢١٦]؛ فالمقصود بالشر هنا هو ما يراه الإنسان شراً في زعمه ونظره، كأن يبتليه الله بالمرض، فهو يرى أن هذا شر أصابه، والله عز وجل يبتلي العباد إما ليكفر عنهم سيئاتهم، أو ليرفع لهم درجاتهم سبحانه تبارك وتعالى، فيبتليهم ربنا سبحانه بما قد يتألمون منه، رحمة بهم في الآخرة، سبحانه تبارك وتعالى، والعبد لا يدري أنه رحمة به، وإنما إذا {مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} [فصلت:٤٩] ويئوس أي: كثير اليأس، وعظيم اليأس من رحمة الله، فهو سيئ الظن بالله سبحانه تبارك وتعالى، وقد انقطع أمله في ربه سبحانه، فلا يطلب خيراً بعد ذلك، وقنوط أي: انكسر وظهر عليه أثر هذا اليأس، وأثر هذا الانكسار، والقنوط شدة اليأس، والتكرار هنا مع صيغة المبالغة بقوله: {َيَئُوسٌ قَنُوطٌ} أي: شديد اليأس، عظيم القنوط، وقد بدا أثر هذا اليأس على مظهر هذا الإنسان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>