الطاغوت في الأصل من الطغيان، والطغيان هو مجاوزة الحد، والطاغوت المخلوق هو الذي يجاوز حده فيدعي لنفسه ما ليس له، فيدعي أنه يستحق أن يعبد من دون الله، أو أن يعبد مع الله سبحانه، أو أنه يعلم ما لا يعلمه إلا من علم الغيب ونحو ذلك، فعلى ذلك يدخل في الطاغوت كل إنسان تمرد على طاعة الله سبحانه، وطغى وجاوز حده، وزعم أنه يستحق أن يعبد من دون الله كفرعون وغيره ممن زعم أنه للناس رب، فقال فرعون:{فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات:٢٤]، فكان طاغوتاً لعنة الله عليه.
كذلك النمرود زعم للناس أنه الرب وأنه يحيي ويميت فكان طاغوتاً.
إذاً: الطاغوت هو كل من عبد من دون الله، أو ادعى لنفسه أنه يستحق أن يعبد وأنه إله أو أنه رب، كذلك الطاغوت كل من كان رأساً في الضلالة، فهذا هو الطاغوت، ولذلك أخبر الله سبحانه عن المنافقين الذين يزعمون الإيمان ومع ذلك يتحاكمون إلى الطاغوت:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا}[النساء:٦٠] أي: هؤلاء أناس من المنافقين زعموا أنهم آمنوا بالله وباليوم الآخر، فلما اختلف بعضهم مع بعض اليهود في أمر من أمور الدنيا وفي حطام من حطام الدنيا، إذا باليهودي كان على حق فيريد أن يتحاكم للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يعلم أنه لا يقبل رشوة صلوات الله وسلامه عليه، ولا يحكم إلا بالحق عليه الصلاة والسلام، لكن هذا المنافق الذي يزعم أنه مسلم يأبى ويطلب من اليهودي أن يذهب معه إلى الضليل كعب بن الأشرف وهو رجل من كبار اليهود، يأكل السحت ويأكل الرشوة، فطلب المنافق من اليهودي أن يتحاكما إلى هذا الطاغوت، ولما يسأل المنافقون عن ذلك تجدهم يتعللون فيقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن خشينا أن نرهقك بأسئلتنا، وأن نشق عليك، ففضحهم الله سبحانه بأنهم كذبوا، وأنهم ما أرادوا ذلك إلا لكون هذا الكافر الضليل كعب بن الأشرف يحكم بالباطل، ويأكل الرشوة على الحكم، فمن أكل الرشوة على الحكم كان داخلاً تحت هذا المسمى الطاغوت.
إذاً: من كان كبيراً في قومه يدعوهم إلى الضلالة والبعد عن الله فهو طاغوت.
والطاغوت يطلق أيضاً على الأصنام التي صنعوها وعبدوها من دون الله.
والطاغوت يطلق على الشيطان؛ لأنهم عبدوا الشيطان من دون الله سبحانه.
كذلك الطاغوت يطلق على الكهنة والعرافين؛ لأنهم يزعمون أنهم يعلمون الغيب من دون الله سبحانه وتعالى، أو أن الله أطلعهم على أشياء من الغيب، فيخبرون أنهم علموا كذا وسيحدث كذا، والشيء المسروق في المكان الفلاني، فهؤلاء من الطواغيت.
والطاغوت يطلق على مردة أهل الكتاب الكبار منهم الذين يدعون إلى عبادة غير الله سبحانه وتعالى.
وعموماً يطلق هذا اللفظ على كل مجاوز لحدَّه في معصية الله سبحانه وتعالى، وفي الطغيان، وفي الكفر.